للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَنَقُولُ لَهُمْ: نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا؟ وَمَا صَارَ قَطُّ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةَ بَلْ هُوَ بَيْعٌ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ وَلَا فَرْقَ. ثُمَّ أَيْنَ وَجَدْتُمْ الْمَنْعَ مِنْ سَلَفٍ جَرَّ مَنْفَعَةً؟ فِي أَيِّ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَجَدْتُمْ ذَلِكَ؟ أَمْ فِي أَيِّ سُنَّةٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ أَمْ فِي أَيِّ قَوْلِ صَاحِبٍ؟ ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ سَلَفٌ إلَّا وَهُوَ يَجُرُّ مَنْفَعَةً لِلْمُسْتَسْلِفِ، وَلَوْلَا أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ مَا اسْتَسْلَفَهُ، فَمَا سَمِعْنَا بِأَبْرَدَ وَلَا بِأَغَثَّ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ؟ ثُمَّ لَوْ كَانَ مَا ذَكَرُوا لَوَجَبَ بِذَلِكَ إبْطَالُ جَمِيعِ الْبُيُوعِ كُلِّهَا؛ لِأَنَّهُ لَا بَيْعَ فِي الْعَالَمِ إلَّا وَهَذِهِ الْعِلَّةُ مَوْجُودَةٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَا بَيْعَ إلَّا وَمُمْكِنُ أَنْ يُسْتَحَقَّ فَيُرَدَّ، أَوْ يُوجَدَ فِيهِ عَيْبٌ فَيُرَدَّ بِهِ، فَهَلَّا مَنَعُوا النَّقْدَ فِي كُلِّ بَيْعٍ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ؟ لِأَنَّهُ إذَا رَدَّ صَارَ الْبَائِعُ قَدْ رَدَّ إلَى الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ بَعْدَ أَنْ انْتَفَعَ بِهِ فَيَصِيرُ سَلَفًا جَرَّ مَنْفَعَةً؟ وَمَا نَدْرِي كَيْفَ يَسْتَجِيزُ ذُو وَرَعٍ أَنْ يُغْرِ قَوْمًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِمِثْلِ هَذَا الِاحْتِجَاجِ الْفَاسِدِ؟ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً.

وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ الْغَائِبِ فَإِنَّ أَصْحَابَهُ احْتَجُّوا لَهُ بِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَعَنْ الْمُلَامَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ، لَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا أَصْلًا، وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ بَيْعَ الْغَائِبِ إذَا وُصِفَ عَنْ رُؤْيَةٍ، وَخِبْرَةٍ، وَمَعْرِفَةٍ، وَقَدْ صَحَّ مِلْكُهُ لِمَا اشْتَرَى، فَأَيْنَ الْغَرَرُ؟ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ تَهْلَكُ السِّلْعَةُ قَبْلَ حِينِ الْبَيْعِ فَيَقَعُ الْبَيْعُ فَاسِدًا؟ قُلْنَا: وَقَدْ تُسْتَحَقُّ السِّلْعَةُ فَيَقَعُ الْبَيْعُ فَاسِدًا وَلَا فَرْقَ فَأَبْطَلُوا بِهَذَا النَّوْعِ مِنْ الْغَرَرِ كُلَّ بَيْعٍ فِي الْأَرْضِ، فَلَا غَرَرَ هَهُنَا أَصْلًا، إلَّا كَالْغَرَرِ فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ كُلِّهَا وَلَا فَرْقَ. وَأَمَّا الْمُنَابَذَةُ، وَالْمُلَامَسَةُ - فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى نا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ [قَالَ] سَمِعْت عُبَيْدَ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ عُمَرَ - عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَنَّهُ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>