للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ» ، وَزَعَمَ أَنَّ الْمُلَامَسَةَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: أَبِيعُك ثَوْبِي بِثَوْبِك، وَلَا يَنْظُرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَى ثَوْبِ الْآخَرِ وَلَكِنْ يَلْمِسُهُ لَمْسًا وَالْمُنَابَذَةُ أَنْ يَقُولَ: أَنْبِذُ مَا مَعِي وَتَنْبِذُ مَا مَعَك لِيَشْتَرِيَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ، وَلَا يَدْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمْ مَعَ الْآخَرِ، وَنَحْوٌ مِنْ ذَا ".

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ نا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيم بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ نا أَبِي عَنْ صَالِحٍ - هُوَ ابْنُ كَيْسَانَ - عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عَامِرَ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُلَامَسَةِ، وَالْمُلَامَسَةُ لُبْسُ الثَّوْبِ لَا يَنْظُرُ إلَيْهِ - وَعَنْ الْمُنَابَذَةِ، وَالْمُنَابَذَةُ طَرْحُ الرَّجُلِ ثَوْبَهُ إلَى الرَّجُلِ قَبْلَ أَنْ يُقَلِّبَهُ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا حَرَامٌ بِلَا شَكٍّ، وَهَذَا تَفْسِيرُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، وَهُمَا الْحُجَّةُ فِي الشَّرِيعَةِ، وَاللُّغَةِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي هَذَا التَّفْسِيرِ، وَلَيْسَ هَذَا بَيْعَ غَائِبٍ أَلْبَتَّةَ، بَلْ هُوَ بَيْعُ حَاضِرٍ - فَظَهَرَ تَمْوِيهُ مَنْ احْتَجَّ مِنْهُمْ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ.

قَالَ عَلِيٌّ: إلَّا أَنَّ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ هُمَا حُجَّةٌ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي إجَازَتِهِ بَيْعَ الْغَائِبِ وَالْحَاضِرِ غَيْرَ مَوْصُوفَيْنِ وَلَا مَرْئِيَّيْنِ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَمِمَّا يُبْطِلُ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ الْمُسْلِمُونَ يَتَبَايَعُونَ الضِّيَاعَ بِالصِّفَةِ؛ وَهِيَ فِي الْبِلَادِ الْبَعِيدَةِ، قَدْ بَايَعَ عُثْمَانُ ابْنَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَالًا لِعُثْمَانَ بِخَيْبَرَ بِمَالٍ لِابْنِ عُمَرَ بِوَادِي الْقُرَى، وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُورٌ.

فَإِنْ احْتَجُّوا بِنَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَك؟ .

قُلْنَا: نَعَمْ، وَالْغَائِبُ هُوَ عِنْدَ بَائِعِهِ لَا مِمَّا لَيْسَ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ فِي صِدْقِ الْقَائِلِ: عِنْدِي ضِيَاعٌ، وَعِنْدِي دُورٌ، وَعِنْدِي رَقِيقٌ وَمَتَاعٌ - غَائِبٌ وَحَاضِرٌ - إذَا كَانَ كُلُّ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ، وَإِنَّمَا لَيْسَ عِنْدَ الْمَرْءِ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ فِي يَدِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>