للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَشَارِبِ، بَلْ النُّصُوصُ كُلُّهَا مَضْمُومٌ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ، مَأْخُوذٌ بِمَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ تُذْكَرْ فِي غَيْرٍ مِنْهَا - وَمَا عَدَا هَذَا فَفَسَادٌ فِي الْعَقْلِ، وَإِفْسَادٌ لِلدِّينِ، وَدَعَاوَى فِي غَايَةِ الْبُطْلَانِ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّهُمْ مَهْمَا خَالَفُونَا فِي وُجُوبِ الْإِشْهَادِ، وَالْكِتَابِ، فَإِنَّهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّهُمَا فِعْلٌ حَسَنٌ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ السُّكُوتُ عَنْ ذِكْرِ الْإِشْهَادِ فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ دَلِيلًا عَلَى سُقُوطِ وُجُوبِهِ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ اخْتِيَارِهِ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَا يَتْرُكُ الْأَفْضَلَ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِهِ لِلْأَدْنَى.

وَمِنْ عَجَائِبِهِمْ احْتِجَاجُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ - يَعْنِي الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ - فِي مُخَالَفَتِهِمْ السُّنَّةَ أَنْ لَا بَيْعَ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ إلَّا بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَقَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: ٢٨٢] وَلَمْ يَذْكُرْ التَّفَرُّقَ.

ثُمَّ أَبْطَلُوا حُكْمَ هَذِهِ الْآيَةِ بِأَخْبَارٍ أُخَرَ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الْإِشْهَادِ، وَهَذَا بَابٌ يَبْطُلُ بِهِ - لَوْ صَحَّ - جَمِيعُ الدِّينِ أَوَّلِهِ عَنْ آخِرِهِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْدَمُونَ نُصُوصًا أُخَرَ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا مَا فِي تِلْكَ الْأَحَادِيثِ فَيُبْطِلُونَ لِذَلِكَ أَحْكَامَهَا، وَهَكَذَا أَبَدًا كُلَّمَا وَرَدَ نَصٌّ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ سَائِرُ الْأَحْكَامِ وَجَبَ بُطْلَانُ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ، ثُمَّ يَبْطُلُ حُكْمُ ذَلِكَ النَّصِّ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ أَيْضًا فِي نَصٍّ آخَرَ - وَهَذِهِ طَرِيقٌ مَنْ سَلَكَهَا فَلَمْ يَزِدْ عَلَى أَنْ أَثْبَتَ فَسَادَ دِينِهِ وَقِلَّةَ حَيَائِهِ وَضَعْفَ عَقْلِهِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ - فَإِنْ قَالُوا: هَذَا مِمَّا تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا مَا خَفِيَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ؟ قُلْنَا: هَبْكُمْ مَوَّهْتُمْ بِهَذَا فِي أَخْبَارِ الْآحَادِ أَتَرَوْنَ هَذَا يَسُوغُ لَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الَّذِي لَمْ يَبْقَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْهُ؟ وَهَلَّا قُلْتُمْ هَذَا لِأَنْفُسِكُمْ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْكُمْ: لَا يَتِمُّ الْبَيْعُ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ لِلْمَبِيعِ وَهَذَا أَمْرٌ تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى وَلَا يَعْرِفُهُ أَكْثَرُ النَّاسِ - وَفِي قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْكُمْ: لَا يَتِمُّ الْبَيْعُ إلَّا بِالتَّفَرُّقِ، وَهَذَا أَمْرٌ تَعْظُمُ بِهِ الْبَلْوَى وَلَا يَعْرِفُهُ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ، وَفِي قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْكُمْ بِعُهْدَةِ الرَّقِيقِ فِي السَّنَةِ وَالثَّلَاثِ، وَبِالْجَوَائِحِ فِي الثِّمَارِ، وَهِيَ أُمُورٌ تَكْثُرُ بِهَا الْبَلْوَى وَلَا يَعْرِفُهَا غَيْرُ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ مِنْكُمْ فَظَهَرَ التَّحَكُّمُ بِالْبَاطِلِ فِي أَقْوَالِهِمْ وَاسْتِدْلَالِهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>