حِينَ الْأَمْرِ بِهِ لَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقْطَعُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يُخَالِفُ أَمْرَ رَبِّهِ تَعَالَى، وَلَا يَفْعَلُ مَا نَهَى عَنْهُ أُمَّتَهُ، هَذَا مَا لَا شَكَّ فِيهِ عِنْدَنَا، وَمَنْ شَكَّ فِي هَذَا أَوْ أَجَازَ كَوْنَهُ فَهُوَ كَافِرٌ، نَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ.
وَكَذَلِكَ نَقْطَعُ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَوْ نَسَخَ مَا أَمَرَنَا بِهِ لَبَيَّنَهُ حَتَّى لَا يَشُكَّ عَالِمٌ بِسُنَّتِهِ فِي أَنَّهُ قَدْ نَسَخَ مَا نَسَخَ وَأَثْبَتَ مَا أَثْبَتَ.
وَلَوْ جَازَ غَيْرُ هَذَا - وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ - لَكَانَ دِينُ الْإِسْلَامِ فَاسِدًا لَا يَدْرِي أَحَدٌ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِمَّا يَحِلُّ لَهُ مِمَّا أَوْجَبَ رَبُّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا، إنَّ هَذَا لَهُوَ الضَّلَالُ الْمُبِينُ الَّذِي يُكَذِّبُهُ اللَّهُ تَعَالَى إذْ يَقُولُ: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: ٨٩] وَ {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤] .
وَقَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الْغَيِّ، وَالدِّينُ كُلُّهُ رُشْدٌ وَخِلَافُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ غَيٌّ، فَلَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ كُلَّ ذَلِكَ لَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى كَذِبًا، وَالرَّسُولُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يُبَيِّنْ، وَلَمْ يُبَلِّغْ وَالدِّينُ ذَاهِبًا فَاسِدًا - وَهَذَا هُوَ الْكُفْرُ الْمَحْضُ مِمَّنْ أَجَازَ كَوْنَهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثِ - أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الرَّاوِيَ مِنْ الصَّحَابَةِ أَعْلَمُ بِمَا رَوَى وَابْنُ عُمَرَ هُوَ رَاوِي هَذَا الْخَبَرِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ لَا يَرَى الْبَيْعَ يَتِمُّ إلَّا بِالتَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ، فَهُوَ عَلَى أَصْلِهِمْ أَعْلَمُ بِمَا رُوِيَ.
وَسَقَطَ عَلَى أَصْلِهِمْ هَذَا تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبُّ الْعَالَمِينَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ» ، وَمِنْ الْغَرَرِ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا خِيَارٌ لَا يَدْرِيَانِ مَتَى يَنْقَطِعُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ -: أَحَدُهَا - أَنَّ الْعَقْدَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالْأَبْدَانِ، أَوْ التَّخْيِيرِ: لَيْسَ بَيْعًا أَصْلًا لَا بَيْعَ غَرَرٍ وَلَا بَيْعَ سَلَامَةٍ، كَمَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «إنَّهُ لَا بَيْعَ بَيْنَهُمَا مَا كَانَا مَعًا» فَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي بَيْعِ الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي - أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا قَالُوا: مِنْ أَنَّ لَهُمَا خِيَارًا لَا يَدْرِيَانِ مَتَى يَنْقَطِعُ، بَلْ أَيُّهُمَا شَاءَ قَطْعَهُ قَطَعَهُ فِي الْوَقْتِ، بِأَنْ يُخَيِّرَ صَاحِبَهُ فَإِمَّا يُمْضِيَهُ فَيَتِمُّ الْبَيْعُ وَيَنْقَطِعُ الْخِيَارُ، وَإِمَّا يَفْسَخُهُ فَيَبْطُلُ حُكْمُ الْعَقْدِ وَتَمَادِيهِ، أَوْ بِأَنْ يَقُومَ فَيُفَارِقَ صَاحِبَهُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ ابْنُ عُمَرَ