فَظَهَرَ بِرَدِّ هَذَا الِاعْتِرَاضِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالرَّأْيِ السَّخِيفِ، وَالْعَقْلِ الْهَجِينِ.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ - أَنَّهُ لَا يَكُونُ غَرَرًا شَيْءٌ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ لَا يَأْمُرُ بِمَا نَهَى عَنْهُ مَعًا حَاشَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْغَرَرُ مَا أَجَازَهُ هَؤُلَاءِ بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ مِنْ بَيْعِهِمْ اللَّبَنَ الَّذِي لَمْ يُخْلَقْ فِي ضُرُوعِ الْغَنَمِ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ.
وَبَيْعِ الْجَزَرِ الْمُغَيَّبِ فِي الْأَرْضِ الَّذِي لَمْ يَرَهُ إنْسِيٌّ وَلَا عَرَفَ صِفَتَهُ، وَلَا أَهُوَ جَزَرٌ أَمْ هُوَ مَعْفُونٌ مُسَوَّسٌ لَا خَيْرَ فِيهِ؟ وَبَيْعِ أَحَدِ ثَوْبَيْنِ لَا يَدْرِي أَيَّهُمَا هُوَ الْمُشْتَرَى.
وَالْمَقَاثِي الَّتِي لَمْ تُخْلَقْ، وَالْغَائِبِ الَّذِي لَمْ يُوصَفْ وَلَا عُرِفَ - فَهَذَا هُوَ الْغَرَرُ الْمُحَرَّمُ الْمَفْسُوخُ الْبَاطِلُ حَقًّا.
فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ الْيَمَامِيِّ عَنْ أَبِي كَثِيرٍ السُّحَيْمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا مِنْ بَيْعِهِمَا أَوْ يَكُونُ بَيْعُهُمَا بِخِيَارٍ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِمْ لَوْ صَحَّ، وَالتَّفَرُّقُ مِنْ الْبَيْعِ لَا يَكُونُ إلَّا بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا: إمَّا بِتَفَرُّقِ الْأَبْدَانِ فَيَتِمُّ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ وَيَتَفَرَّقَانِ مِنْهُ حِينَئِذٍ، لَا قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِمَّا أَنْ يَتَفَرَّقَا مِنْهُ بِفَسْخِهِ وَإِبْطَالِهِ -: لَا يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا؟ فَكَيْفَ وَأَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ ضَعِيفٌ لَا نَرْضَى الِاحْتِجَاجَ بِرِوَايَتِهِ أَصْلًا وَإِنْ كَانَتْ لَنَا.
وَأَتَى بَعْضُهُمْ بِطَامَّةٍ تَدُلُّ عَلَى رِقَّةِ دِينِهِ وَضَعْفِ عَقْلِهِ، فَقَالَ: مَعْنَى مَا لَمْ يَفْتَرِقَا: إنَّمَا أَرَادَ مَا لَمْ يَتَّفِقَا، كَمَا يُقَالُ لِلْقَوْمِ: عَلَى مَاذَا افْتَرَقْتُمْ؟ أَيْ عَلَى مَاذَا اتَّفَقْتُمْ - فَأَرَادَ عَلَى مَاذَا افْتَرَقْتُمَا عَنْ كَلَامِكُمَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّ هَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةً بِلَا دَلِيلٍ، وَمَنْ لَكُمْ بِصَرْفِ هَذَا اللَّفْظِ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ؟ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ: هَذَا هُوَ السَّفْسَطَةُ بِعَيْنِهِ، وَرَدُّ الْكَلَامِ إلَى ضِدِّهِ أَبَدًا، وَلَا يَصِحُّ مَعَ هَذَا حَقِيقَةً، وَلَا يَعْجِزُ أَحَدٌ عَنْ أَنْ يَقُولَ كَذَلِكَ فِي كُلِّ مَا جَاءَ عَنْ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute