مِنْ الرَّجُلِ الْبَيْعَ عَلَى أَنَّهُ فِيهِ بِالْخِيَارِ فَهَلَكَ مِنْهُ؟ فَإِنْ كَانَ سَمَّى الثَّمَنَ فَهُوَ لَهُ ضَامِنٌ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ فَهُوَ أَمِينٌ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ.
وَعَنْ شُرَيْحٍ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مَا نَعْلَمُ فِي هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا، وَكُلُّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ ذِكْرُ مُدَّةٍ أَصْلًا.
وَفِي قَوْلِ الْحَسَنِ: جَوَازُ ذَلِكَ بِغَيْرِ ذِكْرِ ثَمَنٍ.
وَفِي قَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ: جَوَازُ النَّقْدِ فِيهِ، وَلَمْ يَخُصَّ بِشَرْطٍ وَلَا بِغَيْرِ شَرْطٍ وَأَمَّا قَوْلُ طَاوُسٍ فَمُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا؛ لِأَنَّهُ قَطَعَ بِأَنَّ كُلَّ بَيْعٍ يَكُونُ فِيهِ شَرْطُ خِيَارٍ فَإِنَّ الْخِيَارَ يَجِبُ فِيهِ لِلْبَائِعِ وَلِلْمُشْتَرِي حَتَّى يَتَّفِقَا، فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ عِنْدَهُ بَيْعًا أَصْلًا، وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُكْمِهِ كَمَا كَانَ - وَهَذَا قَوْلُنَا، فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ أَقْوَالَ مَنْ ذَكَرْنَا مُخَالِفَةٌ لِكُلِّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنْ صَاحِبٍ أَوْ تَابِعٍ، وَأَنَّهُمَا لَا سَلَفَ لَهُمْ فِيهَا، وَتَفْرِيقُ سُفْيَانَ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ مِنْ كَوْنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا، فَلَمْ يُجِيزَاهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ؟ فَأَجَازَهُ سُفْيَانُ، لَا مَعْنَى لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلَا سُنَّةٌ، وَلَا رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلَا قَوْلٌ مُتَقَدِّمٌ، وَلَا قِيَاسٌ، وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ - وَلَيْسَ إلَّا جَوَازُ كُلِّ ذَلِكَ أَوْ بُطْلَانُ كُلِّ ذَلِكَ. وَقَدْ رُوِّينَا بُطْلَانَ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ.
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَرِهَتْ أَنْ تُبَاعَ الْأَمَةُ بِشَرْطٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَرَادَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً يَتَسَرَّاهَا مِنْ امْرَأَتِهِ؟ فَقَالَتْ: لَا أَبِيعُكهَا حَتَّى أَشْتَرِطَ عَلَيْك إنْ اتَّبَعَتْهَا نَفْسِي فَأَنَا أَوْلَى بِالثَّمَنِ؟ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: حَتَّى أَسْأَلَ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ؟ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَا تَقْرَبْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ لِأَحَدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْت عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا؟ فَقَالَ: أَذْهَبُ بِهِ فَإِنْ رَضِيتُهُ أَخَذْتُهُ، فَبَاعَهُ الْآخِذُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ؟ فَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَا يَحِلُّ لَهُ الرِّبْحُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute