للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ لَوْ صَحَّ حَدِيثُ عُثْمَانَ لَكَانَ فِيهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ لَمْ يَرَ رَدَّ الْجَائِحَةِ وَإِنْ أَتَتْ عَلَى الثَّمَرِ كُلِّهِ أَوْ أَكْثَرَ - وَإِذَا وَقَعَ الْخِلَافُ فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ، وَالثَّابِتُ فِي هَذَا عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ عَالِمُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي عَصْرِهِ - مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ نا عَبْدُ الْوَهَّابِ مُحَمَّدٌ نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ نا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهُ» ، فَقِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: مَا صَلَاحُهُ؟ قَالَ: تَذْهَبُ عَاهَتُهُ ".

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: تَأَمَّلُوا هَذَا فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَى نَهْيَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ، بُدُوِّ صَلَاحِهِ - وَفَسَّرَ ابْنُ عُمَرَ بِأَنَّ بُدُوَّ صَلَاحِ الثَّمَرِ: هُوَ ذَهَابُ عَاهَتِهِ.

فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الْعَاهَةَ وَهِيَ الْجَائِحَةُ لَا تَكُونُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ إلَّا قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرِ، وَأَنَّهُ لَا عَاهَةَ، وَلَا جَائِحَةَ بَعْدَ بُدُوِّ صَلَاحِ الثَّمَرِ، وَهَذَا هُوَ نَصُّ قَوْلِنَا - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - وَلَا يَصِحُّ غَيْرُ هَذَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -.

وَمِنْ تَنَاقُضِ الْمَالِكِيِّينَ فِي هَذَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِيمَنْ بَاعَ ثَمَرًا قَدْ طَابَ أَكْلُهُ وَحَضَرَ جِدَادُهُ فَأُجِيحَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ -: لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ لِذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ -.

وَهَذَا خِلَافُ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ الْمَوْضُوعَاتِ جُمْلَةً.

فَإِنْ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ» .

قُلْنَا: نَعَمْ هَذَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَكِنْ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ الْكَثِيرَ مِنْ الْجَوَائِحِ يُوضَعُ دُونَ الْقَلِيلِ حَتَّى تَحُدُّوا ذَلِكَ بِالثُّلُثِ؟ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ فِي غَنِيٍّ لَهُ مِائَةُ أَلْفِ دِينَارٍ ابْتَاعَ ثَمَرًا بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ فَأُجِيحَ فِي ثُلُثِ الثَّمَرَةِ ثُمَّ بَاعَ الْبَاقِيَ بِدِينَارٍ -: أَنَّهُ تُوضَعُ عَنْهُ الْجَائِحَةُ.

وَتَقُولُونَ فِي مِسْكِينٍ ابْتَاعَ ثَمَرَةً بِدِينَارٍ فَذَهَبَ رُبْعُهَا ثُمَّ رَخُصَ الثَّمَرُ فَبَاعَ الْبَاقِيَ بِدِرْهَمٍ -: أَنَّهُ لَا يُحَطُّ عَنْهُ شَيْءٌ، وَالْكَثِيرُ وَالْقَلِيلُ إنَّمَا هُمَا بِإِضَافَةٍ كَمَا تَرَى لَا عَلَى الْإِطْلَاقِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>