للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَيْسَ مِمَّا ابْتَدَأَ اللَّهُ تَعَالَى خَلْقَهُ فِي الْأَرْضِ فَيُكَوِّنُ بَعْضَهَا، وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ مِنْ مَالِ الزَّارِعِ لَهَا، أَوْدَعَهُ فِي الْأَرْضِ كَمَا لَوْ أَوْدَعَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ سَائِرِ مَالِهِ وَلَا فَرْقَ، فَمَا لَمْ يَسْتَحِلَّ الْبَذْرُ عَنْ هَيْئَتِهِ فَبَيْعُهُ جَائِزٌ مَعَ الْأَرْضِ وَدُونَهَا لِأَنَّهُ شَيْءٌ مَوْصُوفٌ مَعْرُوفُ الْقَدْرِ، وَقَدْ رَآهُ بَائِعُهُ أَوْ مَنْ وَصَفَهُ لَهُ، فَبَيْعُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ التَّرَاضِيَ بِهِ مُمْكِنٌ وَأَمَّا إذَا اسْتَحَالَ عَنْ حَالِهِ فَقَدْ بَطَلَ أَنْ يَعْرِفَ كَيْفَ هُوَ وَمَا صِفَتُهُ، وَلَيْسَ هُوَ مِنْ الْأَرْضِ، وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ مُضَافٌ إلَيْهَا، فَهُوَ مَجْهُولُ الصِّفَةِ جُمْلَةً، وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ مَجْهُولِ الصِّفَةِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ غَرَرٍ حَتَّى يُقْلَعَ وَيُرَى - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَمِمَّنْ أَبْطَلَ بَيْعَ هَذِهِ الْمُغَيَّبَاتِ فِي الْأَرْضِ: الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ.

وَقَدْ تَنَاقَضَ الْحَاضِرُونَ مِنْ مُخَالِفِينَا فِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا -: فَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْعَ لَحْمِ الشَّاةِ مَذْبُوحَةً قَبْلَ السَّلْخِ وَأَوْجَبَ السَّلْخَ عَلَى الْبَائِعِ.

وَأَجَازَ بَيْعَ الْبُرِّ دُونَ التِّبْنِ وَالْأَكْمَامِ قَبْلَ أَنْ يُدْرَسَ وَيُصَفَّى، وَجَعَلَ الدَّرْسَ وَالتَّصْفِيَةَ عَلَى الْبَائِعِ.

وَأَجَازَ بَيْعَ الْجَزَرِ، وَالْبَصَلِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مُغَيَّبًا فِي الْأَرْضِ.

وَأَوْجَبَ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَقْلَعَ مِنْهُ أُنْمُوذَجًا قَدْرَ مَا يُرِيهِ الْمُشْتَرِيَ فَإِنْ رَضِيَهُ كَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي قَلْعُ سَائِرِهِ - فَلَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ يَتَوَلَّى بِنَفْسِهِ قَلْعَ أُنْمُوذَجٍ مِنْهُ فَلَمْ يَرْضَهُ لَمْ يَلْزَمْهُ الْبَيْعُ - فَلَوْ قَلَعَ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ أُنْمُوذَجٍ فَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ.

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا أُجِيزَ الْبَائِعَ وَلَا الْمُشْتَرِيَ عَلَى قَلْعٍ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ تَشَاحَّا أَبْطَلْتُ الْبَيْعَ.

فَإِنْ قَلَعَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ أَقَلَّ مَا يَقَعُ فِي الْمَكَايِيلِ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي إمْضَاءٍ أَوْ فَسْخٍ، فَإِنْ قَلَعَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ كُلُّهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّ فِي هَذَا لَعَجَبًا، لَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يُجْبَرَ الْبَائِعَ عَلَى الدَّرْسِ، وَالتَّصْفِيَةِ، وَالسَّلْخِ، وَلَا يُجْبَرُ عَلَى قَلْعِ الْجَزَرِ، وَالْبَصَلِ وَالْكُرَّاثِ، وَالْفُجْلِ؟ وَهَلْ سُمِعَ بِأَسْخَفَ مِنْ هَذَا التَّقْسِيمِ؟ وَلَيْتَ شِعْرِي مَا هَذَا " الْأُنْمُوذَجُ " الَّذِي لَا هُوَ لَفْظَةٌ عَرَبِيَّةٌ مِنْ اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا نَزَلَ الْقُرْآنُ وَخَاطَبَنَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>