للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطَّعَامِ حَيْثُ ابْتَاعَهُ، وَلَا أَسْوَأَ طَرِيقَةً مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِحُجَّةٍ هُوَ أَوَّلُ مُبْطِلٍ لَهَا، وَمُخَالِفٍ لِمُوجِبِهَا.

وَالثَّالِثُ - أَنَّهُمَا مُوَافِقَانِ لِقَوْلِنَا؛ لِأَنَّ مَعْنَى نَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعُوهُ حَتَّى يَبْلُغُوا بِهِ سُوقَ الطَّعَامِ هُوَ نَهْيٌ لِلْبَائِعِ أَنْ يَبِيعَهُ وَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَبْتَاعَهُ حَتَّى يَبْلُغَ بِهِ السُّوقَ، وَمَشْهُورٌ غَيْرُ مَنْكُورٍ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ " بِعْت بِمَعْنَى ابْتَعْت " وَيُخَرَّجُ خَبَرُ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَلَى هَذَا أَيْضًا، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى الْبَائِعِينَ أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِمْ الَّذِي ابْتَاعَهُ الْمُشْتَرُونَ مِنْهُمْ - وَهَذَا مَعْنًى صَحِيحٌ لَا دَاخِلَةَ فِيهِ.

وَالرَّابِعُ - أَنَّهُ حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهِمَا نَصٌّ عَلَى جَوَازِ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيهِمَا لَكَانَ النَّهْيُ نَاسِخًا وَلَا بُدَّ بِيَقِينٍ لَا شَكَّ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّلَقِّي كَانَ مُبَاحًا بِلَا شَكٍّ قَبْلَ النَّهْيِ، فَكَانَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ مُوَافِقَيْنِ لِلْحَالِ الْمُتَقَدِّمَةِ بِلَا شَكٍّ، وَبِالْيَقِينِ يَدْرِي كُلُّ ذِي فَهْمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ نَهَى عَنْ التَّلَقِّي فَقَدْ بَطَلَتْ الْإِبَاحَةُ بِلَا شَكٍّ، فَقَدْ بَطَلَ حُكْمُ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ وَنُسِخَ لَوْ صَحَّ فِيهِمَا إبَاحَةُ التَّلَقِّي، فَكَيْفَ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيهِمَا؟ وَهَذَا بُرْهَانٌ قَاطِعٌ لَا مَحِيدَ عَنْهُ، وَمَنْ ادَّعَى عَوْدَ حُكْمٍ قَدْ نُسِخَ فَقَدْ كَذَبَ، وَقَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَادَّعَى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ كَمَا أُمِرَ، وَأَنَّ الدِّينَ مُخْتَلِطٌ لَا يَدْرِي أَحَدٌ حَرَامَهُ مِنْ حَلَالِهِ مِنْ وَاجِبِهِ، وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا.

وَخَامِسُهَا - أَنْ يُضَمَّ هَذَانِ الْخَبَرَانِ إلَى أَخْبَارِ النَّهْيِ، فَيَكُونُ الْبَائِعُونَ تَخَيَّرُوا إمْضَاءَ الْبَيْعِ فَأَمَرَ الْمُبْتَاعُونَ بِنَقْلِهِ حِينَئِذٍ إلَى السُّوقِ، فَتَتَّفِقُ الْأَخْبَارُ كُلُّهَا وَلَا تُحْمَلُ عَلَى التَّضَادِّ.

وَسَادِسُهَا - أَنَّنَا رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ بِبَيَانٍ صَحِيحٍ رَافِعٍ لِلْإِشْكَالِ مِنْ طَرِيقِ مَنْ هُوَ أَحْفَظُ وَأَضْبَطُ مِنْ جُوَيْرِيَةَ - كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ - هُوَ ابْنُ عُمَرَ - حَدَّثَهُ نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: «كَانُوا يَبْتَاعُونَ الطَّعَامَ فِي أَعْلَى السُّوقِ وَيَبِيعُونَهُ فِي مَكَانِهِ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَبِيعُوهُ فِي مَكَانِهِ حَتَّى يَنْقُلُوهُ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>