للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَصَحَّ النَّهْيُ عَنْ ذَلِكَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ.

وَلَمْ يُجِزْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَفِيزَ رُطَبٍ بِقَفِيزٍ مِنْ جَافٍ - وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ - وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ أَقْوَالِ سُفْيَانَ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ.

وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ بَيْعُ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا بِمِثْلِهِ نَقْدًا وَلَمْ يُجِزْ مُتَفَاضِلًا وَلَا نَسِيئَةً - وَقَالَ: إنَّمَا يَحْرُمُ بَيْعُ الثَّمَرِ الَّذِي فِي رُءُوسِ النَّخْلِ خَاصَّةً بِالتَّمْرِ، وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ لَا فِي الْعَرَايَا وَلَا فِي غَيْرِهَا.

وَاحْتَجَّ لَهُ مُقَلِّدُوهُ بِمَا صَحَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُزَابَنَةِ» ، وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يُبَاعَ مَا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ مِنْ ثَمَرٍ بِتَمْرٍ مُسَمًّى بِكَيْلٍ، إنْ زَادَ فَلِي وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ ". وَمِثْلُهُ مُسْنَدًا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ فَسَّرَ لَهُمْ الْمُزَابَنَةَ: أَنَّهَا بَيْعُ الرُّطَبِ فِي النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ؛ لِأَنَّنَا لَمْ نُنَازِعْهُمْ فِي تَحْرِيمِ الرُّطَبِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا، نَعَمْ، وَغَيْرَ كَيْلٍ، وَلَا نَازَعْنَاهُمْ فِي أَنَّ هَذَا مُزَابَنَةٌ فَاحْتِجَاجُهُمْ بِهَا تَمْوِيهٌ وَإِيهَامٌ ضَعِيفٌ، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ وَلَا غَيْرِهَا: أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مِنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ إلَّا هَذِهِ الصِّفَةُ فَقَطْ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا: أَنَّ مَا عَدَا هَذَا فَحَلَالٌ - لَكِنْ كُلُّ مَا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ فَهُوَ بَعْضُ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ وَبَعْضُ مَا فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَرَافِعٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ.

وَتِلْكَ الْأَخْبَارُ جَمَعَتْ مَا فِي هَذِهِ وَزَادَتْ عَلَيْهَا، فَلَا يَحِلُّ تَرْكُ مَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الْحُكْمِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ.

كَمَا أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: ٣٦] لَيْسَ حُجَّةً فِي إبَاحَةِ الظُّلْمِ فِي غَيْرِهَا - وَهَكَذَا جَمِيعُ الشَّرَائِعِ أَوَّلِهَا عَنْ آخِرٍ، لَيْسَتْ كُلُّ شَرِيعَةٍ مَذْكُورَةً فِي كُلِّ حَدِيثٍ.

وَأَيْضًا - فَإِنَّنَا نَقُولُ لَهُمْ: مِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ: إنَّ الْمُرَادَ فِي تِلْكَ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا النَّهْيُ

<<  <  ج: ص:  >  >>