عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ إنَّمَا هُوَ مَا ذَكَرْنَا فِي هَذِهِ الْأَخْبَارِ الْأُخَرِ مِنْ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ فِي رُءُوسِ النَّخْلِ بِالتَّمْرِ، وَمَا بُرْهَانُكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ وَهَلْ زِدْتُمُونَا عَلَى الدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةِ الْكَاذِبَةِ شَيْئًا؟ وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ تَرْكُ عُمُومِ تِلْكَ الْأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ ذُكِرَ فِي هَذِهِ بَعْضُ مَا فِي تِلْكَ؟ فَإِنَّهُمْ لَا سَبِيلَ إلَى دَلِيلٍ أَصْلًا - لَا قَوِيٌّ وَلَا ضَعِيفٌ - فَحَصَلُوا عَلَى الدَّعْوَى فَقَطْ، فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا عَلَى مَا فِي هَذِهِ كَذَبُوا.
وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الثَّمَرُ بِالتَّمْرِ عَلَى رُءُوسِ النَّخْلِ مُكَايَلَةً إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا دِينَارٌ أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَعُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ ثِقَةٌ وَسَائِرُ مَنْ فِيهِ أَئِمَّةٌ أَعْلَامٌ.
وَقَدْ فَسَّرَ ابْنُ عُمَرَ الْمُزَابَنَةَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرَ الْمُزَابَنَةَ، وَالْمُزَابَنَةُ: بَيْعُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ كَيْلًا، وَبَيْعُ الْكَرْمِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا» .
وَحَدَّثَنَا حُمَامٌ أَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا بَكْرٌ - هُوَ ابْنُ حَمَّادٍ - أَنَا مُسَدَّدٌ أَنَا يَحْيَى - هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ - عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ الْمُزَابَنَةِ، وَالْمُزَابَنَةُ: اشْتِرَاءُ الثَّمَرِ بِالتَّمْرِ وَاشْتِرَاءُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ كَيْلًا» .
فَمَنْ جَعَلَ تَفْسِيرَ ابْنِ عُمَرَ بَاطِلًا وَتَفْسِيرَ جَابِرٍ، وَأَبِي سَعِيدٍ صَحِيحًا. بَلْ كِلَاهُمَا حَقٌّ وَكُلُّ ذَلِكَ مُزَابَنَةٌ مَنْهِيٌّ عَنْهَا، وَمَا عَدَا هَذَا فَضَلَالٌ وَتَحَكُّمٌ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ.
وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ إبَاحَةِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ قَلَّدَهُ دِينَهُ مَا قَدْ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى النَّهْيِ عَنْهُ مِنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ، وَبَيْعِ التَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَتَحْرِيمِهِ مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ وَلَا رَسُولُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا جَاءَ قَطُّ عَنْهُ نَهْيٌ مِنْ بَيْعِ الْجَوْزِ عَلَى رُءُوسِ أَشْجَارِهِ بِالْجَوْزِ الْمَجْمُوعِ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَمَا رَأَيْنَا قَطُّ سُنَّةً مُضَاعَةً إلَّا وَإِلَى جَنْبِهَا بِدْعَةٌ مُذَاعَةٌ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute