للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ نَهَى عَنْ الرُّطَبِ بِالْيَابِسِ وَرُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَأَلَ: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ؟ فَقِيلَ: نَعَمْ، فَنَهَى عَنْ بَيْعِهِ بِالتَّمْرِ» قُلْنَا: أَمَّا أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ، فَإِنَّ مَالِكًا، وَإِسْمَاعِيلَ بْنَ أُمَيَّةَ رَوَيَاهُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ زَيْدٍ أَبِي عَيَّاشٍ عَنْ سَعْدٍ، وَقَالَ مَالِكٌ مَرَّةً: زِيَادَةُ أَبِي عَيَّاشٍ مَوْلَى بَنِي زُهْرَةَ - وَهُوَ رَجُلٌ مَجْهُولٌ لَا يُدْرَى مَنْ هُوَ - ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِلَّةً لِغَيْرِ مَا نَصَّ عَلَيْهِ فِيهِ مِنْ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَكُونُ تَعَدِّيًا لِحُدُودِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

وَمِنْ الْعَجَبِ الْعَجِيبِ أَنْ يَكُونَ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا إلَّا السِّنَّ وَالظُّفُرَ، أَمَّا السِّنُّ فَإِنَّهُ عَظْمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَإِنَّهُ مُدَى الْحَبَشَةِ» .

فَخَالَفَهُ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَلَا يَرَوْنَ الْعَظْمِيَّةَ عِلَّةً لِمَا يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يُذَكَّى بِهِ، وَلَا يَرَى الشَّافِعِيُّونَ كَوْنَ الَّذِي يُذَكَّى بِهِ مِنْ مُدَى الْحَبَشَةِ عِلَّةً فِي مَنْعِ الذَّكَاةِ بِهِ إلَّا فِي الظُّفُرِ وَحْدَهُ، ثُمَّ يَجْعَلُونَ مَا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ مِنْ «أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ إذَا يَبِسَ» عِلَّةً فِي جَمِيعِ الثِّمَارِ، فَأَيُّ عَجَبٍ أَعْجَبُ مِنْ هَذَا؟ وَأَمَّا الرُّطَبُ بِالْيَابِسِ فَلَا يَصِحُّ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ أَثَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي صَالِحٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ - وَهُوَ ضَعِيفٌ - وَغَيْرُهُ - وَهُوَ مَجْهُولٌ - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْأَسْوَدِ بْنِ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ رُطَبٍ بِتَمْرٍ؟ فَقَالَ: أَيَنْقُصُ الرُّطَبُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: لَا يُبَاعُ الرُّطَبُ بِالْيَابِسِ» وَمِثْلُ هَذَا لَا يَحِلُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَلَوْ صَحَّ لَمَا تَرَدَّدْنَا فِي الْأَخْذِ بِهِ.

وَالْعَجَبُ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ الْآخِذِينَ بِكُلِّ ضَعِيفٍ، وَمُرْسَلٍ، كَالْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْوُضُوءِ بِالنَّبِيذِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ثُمَّ يُخَالِفُونَ هَذَا الْمُرْسَلَ وَهَذَا الضَّعِيفَ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّ الشَّافِعِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، الْمُدَّعِينَ الْأَخْذَ بِهَذَا الْخَبَرِ قَدْ خَالَفُوهُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>