للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَوَاجِبٌ طَلَبُ مَعْرِفَتِهِ لِيُجْتَنَبَ، وَقَالَ تَعَالَى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: ١١٩] .

فَصَحَّ أَنَّ مَا فَصَّلَ لَنَا بَيَانَهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مِنْ الرِّبَا، أَوْ مِنْ الْحَرَامِ، فَهُوَ رِبًا وَحَرَامٌ، وَمَا لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ فَهُوَ حَلَالٌ، لِأَنَّهُ لَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ فِي الشَّرِيعَةِ شَيْءٌ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ لَمْ يُفَصِّلْهُ لَنَا، وَلَا بَيَّنَهُ رَسُولُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَكَانَ تَعَالَى كَاذِبًا فِي قَوْله تَعَالَى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١١٩] وَهَذَا كُفْرٌ صَرِيحٌ مِمَّنْ قَالَ بِهِ، وَلَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَاصِيًا لِرَبِّهِ تَعَالَى إذْ أَمَرَهُ بِالْبَيَانِ فَلَمْ يُبَيِّنْ فَهَذَا كُفْرٌ مُتَيَقَّنٌ مِمَّنْ أَجَازَهُ.

وَمِمَّنْ قَالَ: لَا رِبَا إلَّا فِي الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورَةِ: طَاوُسٌ، وَقَتَادَةُ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا.

وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنَّ هَذِهِ الْأَصْنَافَ السِّتَّةَ إنَّمَا ذُكِرَتْ لِتَكُونَ دَلَالَةً عَلَى مَا فِيهِ الرِّبَا مِمَّا سِوَاهَا مِمَّا يُشْبِهُهَا فِي الْعِلَّةِ الَّتِي حَيْثُمَا وُجِدَتْ كَانَ مَا وُجِدَتْ فِيهِ رِبًا.

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تِلْكَ الْعِلَّةِ، وَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهَا تُبْطِلُ عِلَّةَ الْآخَرِينَ أَوْ تَنْفِيهَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ الطَّعْمُ، وَاللَّوْنُ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ شِهَابٍ عَنْ الْحِمَّصِ بِالْعَدَسِ اثْنَانِ بِوَاحِدٍ يَدًا بِيَدٍ؟ فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: كُلُّ شَيْءٍ خَالَفَ صَاحِبَهُ بِاللَّوْنِ، وَالطَّعْمِ، فَلَا أَرَاهُ إلَّا شَبَهَ الطَّعَامِ - وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَبَلَغَنِي عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ، مِثْلُهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَنَظَرْنَا فِي هَذَا فَوَجَدْنَاهُ قَوْلًا بِلَا دَلِيلٍ فَسَقَطَ - وَقَدْ بَيَّنَ ابْنُ شِهَابٍ أَنَّهُ رَأْيٌ مِنْهُ وَالرَّأْيُ إذَا لَمْ يُسْنَدْ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ خَطَأٌ بِلَا شَكٍّ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هِيَ وُجُوبُ الزَّكَاةِ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بِالتُّفَّاحَتَيْنِ بِالتُّفَّاحَةِ، وَالْخَوْخُ مِثْلُ ذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>