للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكُلُّ مَا لَمْ تَجُزْ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَنَظَرْنَا فِي هَذَا فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا قَوْلًا بِلَا دَلِيلٍ، وَوَجَدْنَا الْمِلْحَ لَا زَكَاةَ فِيهِ، وَالرِّبَا يَقَعُ فِيهِ بِالنَّصِّ، فَبَطَلَ.

قَالَ عَلِيٌّ: وَمَا يَعْجَزُ مَنْ قَلَّدَ رَبِيعَةَ فِي هَذَا عَمَّا قَدَرَ عَلَيْهِ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، بِزِيَادَتِهِمْ فِي عِلَّتِهِمْ، كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: عِلَّةُ الرِّبَا الطَّعْمُ، وَالتَّثْمِينُ.

وَقَوْلُ مَالِكٍ: عِلَّةُ الرِّبَا الِادِّخَارُ فِيمَا يُؤْكَلُ، وَالتَّثْمِينُ.

فَهَلْ هَذَا إلَّا كَقَوْلِ مَنْ قَلَّدَ رَبِيعَةَ: عِلَّةُ الرِّبَا بِمَا فِيهِ الزَّكَاةُ وَالْمِلْحِيَّةُ؟ وَهَلْ هِيَ إلَّا دَعْوَى كَدَعْوَى كِلَاهُمَا بِلَا بُرْهَانٍ؟

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِغَيْرِ ذَلِكَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ شُعْبَةَ سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ عَمَّنْ اشْتَرَى خَمْسَةَ عَشَرَ جَرِيبًا مِنْ أَرْضٍ بِعَشَرَةِ أَجْرِبَةٍ؟ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ - وَكَرِهَهُ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَلَا نَدْرِي مَا عِلَّتُهُ فِي ذَلِكَ، وَلَعَلَّهَا الْجِنْسُ، فَلَمْ يَجُزْ التَّفَاضُلُ فِي جِنْسٍ وَاحِدٍ، كَائِنًا مَا كَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، إلَّا أَنَّهَا دَعْوَى لَيْسَتْ غَيْرُهَا أَصَحَّ مِنْهَا، وَلَا هِيَ بِأَضْعَفَ مِنْ غَيْرِهَا.

وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ عِلَّةَ الرِّبَا تَقَارُبَ الْمَنْفَعَةِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ، أَوْ الْجِنْسَيْنِ.

وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَلَا بَأْسَ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ، وَاحِدًا بِاثْنَيْنِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ أَعَمُّ الْعِلَلِ فَيَلْزَمُ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ: بِالْعِلَّةِ الْعَامَّةِ أَنْ يَقُولَ بِهَا - وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: عِلَّةُ الرِّبَا هِيَ الِاقْتِيَاتُ، وَالِادِّخَارُ فِي الْجِنْسِ، فَمَا كَانَ يُدَّخَرُ مِمَّا يَكُونُ قُوتًا فِي الْأَكْلِ، فَالرِّبَا فِيهِ نَقْدًا وَنَسِيئَةً، وَمَا كَانَ لَا يُقْتَاتُ وَلَا يُدَّخَرُ، فَلَا يَدْخُلُ الرِّبَا فِيهِ يَدًا بِيَدٍ - وَإِنْ كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا - لَكِنْ يَدْخُلُ فِيهِ الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ إذَا كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا، وَهَذِهِ هِيَ عِلَّةُ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْهُمْ، ثُمَّ رَغِبَ عَنْهَا الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ وَجَدُوهَا تُفْسِدُ عَلَيْهِمْ، لِأَنَّ الثُّومَ، أَوْ الْبَصَلَ، وَالْكُرَّاثَ، وَالْكَرَوْيَا، وَالْكُزْبَرَةَ، وَالْخَلَّ، وَالْفُلْفُلَ - نَعَمْ، وَالْمِلْحُ الَّذِي جَاءَ فِيهِ النَّصُّ لَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ يَكُونُ قُوتًا أَصْلًا، بَلْ بَعْضُهُ يَقْتُلُ إذَا أُكِلَ مِنْهُ نِصْفُ وَزْنِ مَا يُؤْكَلُ مِمَّا يَتَقَوَّتُ بِهِ، كَالْمِلْحِ، وَالْفُلْفُلِ، فَلَوْ أَنَّ إنْسَانًا أَكَلَ رِطْلَ فُلْفُلٍ فِي جِلْسَةٍ لَقَتَلَهُ بِلَا شَكٍّ، وَكَذَلِكَ الْمِلْحُ، وَالْخَلُّ الْحَاذِقُ، وَكَذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>