للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ الْمَسْحُ وَلَا عَرَفَهُ، بَلْ أَنْكَرَهُ حَتَّى أَعْلَمَهُ بِهِ سَعْدٌ بِالْكُوفَةِ، ثُمَّ أَبُوهُ بِالْمَدِينَةِ فِي خِلَافَتِهِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي عِلْمِ الْمَسْحِ كَغَيْرِهِ، وَعَلَى ذَلِكَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ التَّوْقِيتُ.

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْعَرْزَمِيِّ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُونَ عَنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثًا وَلِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً.

ثُمَّ لَوْ صَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُقْبَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - مَا ذَكَرْنَا، وَكَانَ قَدْ خَالَفَ ذَلِكَ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُمَا، لَوَجَبَ عِنْدَ التَّنَازُعِ الرَّدُّ إلَى بَيَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبَيَانُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَدْ صَحَّ بِالتَّوْقِيتِ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ شَيْءٌ غَيْرُهُ أَصْلًا، فَكَيْفَ وَلَمْ يَصِحَّ قَطُّ عَنْ عُمَرَ إلَّا التَّوْقِيتُ.

قَالَ عَلِيٌّ: فَإِذَا انْقَضَى الْأَمَدَانِ الْمَذْكُورَانِ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّ وَبَعْضَ أَصْحَابِنَا قَالُوا: يَخْلَعُهُمَا وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ وَلَا بُدَّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إذَا قَعَدَ الْإِنْسَانُ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ ثُمَّ أَحْدَثَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا بِبَوْلٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَوْ تَكَلَّمَ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ، وَلَيْسَ السَّلَامُ مِنْ الصَّلَاةِ فَرْضًا.

قَالَ: فَإِنْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ وَانْقَضَى وَقْتُ الْمَسْحِ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَدْ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَبَطَلَتْ طَهَارَتُهُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ، وَفِي هَذَا مِنْ التَّنَاقُضِ وَالْخَطَأِ مَا لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إلَّا تَكْلِيفِ رَدٍّ عَلَيْهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى السَّلَامَةِ.

وَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ مَرَّةً: يَبْتَدِئُ الْوُضُوءَ.

وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَدَاوُد: يُصَلِّي مَا لَمْ تَنْتَقِضْ طَهَارَتُهُ بِحَدَثٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَهَذَا هُوَ الْقَوْلُ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ أَنَّ الطَّهَارَةَ تَنْتَقِضُ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَلَا عَنْ بَعْضِهَا بِانْقِضَاءِ وَقْتِ الْمَسْحِ، وَإِنَّمَا نُهِيَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ أَنْ يَمْسَحَ أَحَدٌ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ لِلْمُسَافِرِ أَوْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِلْمُقِيمِ.

فَمَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَقَدْ أَقْحَمَ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ، وَقَوَّلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا لَمْ يَقُلْ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ وَاهِمًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَامِدًا بَعْدَ قِيَامِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ فَقَدْ أَتَى كَبِيرَةً مِنْ الْكَبَائِرِ، وَالطَّهَارَةُ لَا يَنْقُضُهَا إلَّا الْحَدَثُ، وَهَذَا قَدْ صَحَّتْ طَهَارَتُهُ وَلَمْ يُحْدِثْ فَهُوَ طَاهِرٌ، وَالطَّاهِرُ يُصَلِّي مَا لَمْ يُحْدِثْ أَوْ مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ جَلِيٌّ فِي أَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>