طَهَارَتَهُ انْتَقَضَتْ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ، وَهَذَا الَّذِي انْقَضَى وَقْتُ مَسْحِهِ لَمْ يُحْدِثْ وَلَا جَاءَ نَصٌّ فِي أَنَّ طَهَارَتَهُ انْتَقَضَتْ لَا عَنْ بَعْضِ أَعْضَائِهِ وَلَا عَنْ جَمِيعِهَا، فَهُوَ طَاهِرٌ يُصَلِّي حَتَّى يُحْدِثَ، فَيَخْلَعُ خُفَّيْهِ حِينَئِذٍ وَمَا عَلَى قَدَمَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْمَسْحَ تَوْقِيتًا آخَرَ، وَهَكَذَا أَبَدًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ إنَّ الطَّهَارَةَ تَنْتَقِضُ عَنْ قَدَمَيْهِ خَاصَّةً، فَقَوْلٌ فَاسِدٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ لَا مِنْ سُنَّةٍ، وَلَا مِنْ قُرْآنٍ، وَلَا مِنْ خَبَرٍ وَاهٍ، وَلَا مِنْ إجْمَاعٍ، وَلَا مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا مِنْ قِيَاسٍ، وَلَا رَأْيٍ سَدِيدٍ أَصْلًا، وَمَا عُلِمَ فِي الدِّينِ قَطُّ حَدَثٌ يَنْقُضُ الطَّهَارَةَ - بَعْدَ تَمَامِهَا وَبَعْدَ جَوَازِ الصَّلَاةِ بِهَا - عَنْ بَعْضِ الْأَعْضَاءِ دُونَ بَعْضٍ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا تَقْسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ فَمَا رُوِيَ قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ قَبْلَهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.
٢١٣ - مَسْأَلَةٌ:
وَيَبْدَأُ بَعْدَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ الْمُقِيمُ وَبَعْدَ الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا الْمُسَافِرُ مِنْ حِينِ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ إثْرَ حَدَثِهِ، سَوَاءٌ مَسَحَ وَتَوَضَّأَ أَوْ لَمْ يَمْسَحْ وَلَا تَوَضَّأَ، عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا، فَإِنْ أَحْدَثَ يَوْمَهُ بَعْدَ مَا مَضَى أَكْثَرُ هَذَيْنِ الْأَمَدَيْنِ أَوْ أَقَلُّهُمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ بَاقِيَ الْأَمَدَيْنِ فَقَطْ، وَلَوْ مَسَحَ قَبْلَ انْقِضَاءِ أَحَدِ الْأَمَدَيْنِ بِدَقِيقَةٍ كَانَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِهِ مَا لَمْ يُحْدِثْ.
قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ: يَبْتَدِئُ بَعْدَ هَذَيْنِ الْوَقْتَيْنِ مِنْ حِينِ يُحْدِثُ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يَبْدَأُ بَعْدَهُمَا مِنْ حِينِ يَمْسَحُ، وَرُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ يَمْسَحُ لِخَمْسِ صَلَوَاتٍ فَقَطْ إنْ كَانَ مُقِيمًا، وَلَا يَمْسَحُ لِأَكْثَرَ، وَيَمْسَحُ لِخَمْسَ عَشْرَةَ صَلَاةً فَقَطْ، إنْ كَانَ مُسَافِرًا، وَلَا يَمْسَحُ لِأَكْثَرَ وَبِهِ يَقُولُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد الْهَاشِمِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمَّا اخْتَلَفُوا وَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِي هَذِهِ الْأَقْوَالِ وَنَرُدَّهَا إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْنَا أَنْ نَرُدَّهَا عَلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَفَعَلْنَا، فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ يَبْدَأُ بَعْدَ الْوَقْتَيْنِ مِنْ حِينِ يُحْدِثُ، فَوَجَدْنَاهُ ظَاهِرَ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي بِهِ تَعَلَّقُوا كُلُّهُمْ وَبِهِ أَخَذُوا أَوْ وَقَفُوا فِي أَخْذِهِمْ بِهِ - إنَّمَا جَاءَنَا بِالْمَسْحِ مُدَّةَ أَحَدِ الْأَمَدَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ، وَهُمْ يُقِرُّونَ بِهَذَا، وَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ يَجُوزَ لَهُ الْمَسْحُ فِي الْوُضُوءِ فِي حَالِ الْحَدَثِ، هَذَا مَا لَا يَقُولُونَ بِهِ هُمْ وَلَا غَيْرُهُمْ، وَوَجَدْنَا بَعْضَ الْأَحْدَاثِ قَدْ تَطُولُ جِدًّا السَّاعَةَ وَالسَّاعَتَيْنِ وَالْأَكْثَرُ كَالْغَائِطِ.
وَمِنْهَا مَا يَدُومُ أَقَلَّ كَالْبَوْلِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute