للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَصَحَّ بِلَا شَكٍّ أَنَّ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إيذَانِ الشَّرِيكِ، وَلَمْ يَسْتَطِعْهُ فَقَدْ سَقَطَ حَقُّهُ وَحَلَّ لَهُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ حَتَّى يُؤْذِنَ شَرِيكَهُ» يَقْتَضِي ضَرُورَةً مَنْ يَقْدِرُ عَلَى إيذَانِهِ، فَخَرَجَ عَنْ هَذَا النَّصِّ حُكْمُ مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى إيذَانِهِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْبَيْعِ، وَعَاجِزٌ عَنْ الْإِيذَانِ فَمُبَاحٌ لَهُ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَسَاقِطٌ عَنْهُ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ فَهَذَا إذَا طَلَبَ الشَّفِيعُ وَأَخَذَ شُفْعَتَهُ، فَحِينَئِذٍ بَطَلَ الْعَقْدُ، وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ صَحِيحًا، فَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ فَالْغَلَّةُ لَهُ؛ لِأَنَّهَا غَلَّةُ مَالِهِ.

وَأَمَّا الْبِنَاءُ وَسَائِرُ مَا أَحْدَثَ فَقَدْ أَبْطَلَهُ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ الشَّفِيعَ أَحَقُّ مِنْهُ فَإِنَّمَا أَنْفَذَ حُكْمَهُ فِيمَا غَيْرُهُ أَحَقُّ بِهِ مِنْهُ فَبَطَلَ أَنْ يَنْفُذَ حُكْمُهُ فِيمَا جَعَلَهُ تَعَالَى حَقًّا لِغَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: ١٦٤]

وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَا جَمِيعًا: إذَا بَنَى ثُمَّ جَاءَ الشَّفِيعُ بَعْدَهُ فَالْقِيمَةُ.

وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: يَقْلَعُ بِنَاءَهُ وَبِهِ يَأْخُذُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ وَبِقَوْلِ الشَّعْبِيِّ يَأْخُذُ مَالِكٌ، وَالْبَتِّيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدَ

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إلْزَامُهُ قَلْعَ بِنَائِهِ وَاجِبٌ بِمَا ذَكَرْنَا، وَبِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ إبْقَاءُ أَنْقَاضِهِ فِي سَاحَةِ غَيْرِهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» .

وَلَا يَجُوزُ إلْزَامُهُ غَرَامَةً فِي ابْتِيَاعِ مَا لَا يُرِيدُ ابْتِيَاعَهُ مِنْ أَنْقَاضِ بِنَاءِ الْمَخْرَجِ مِنْ الِابْتِيَاعِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ نَصٌّ، فَهُوَ ظُلْمٌ مُجَرَّدٌ.

وَلَا فَرْقَ بَيْنَ إلْزَامِهِ غَرَامَةً لِلْمَخْرَجِ عَنْ الْمِلْكِ وَبَيْنَ إبَاحَةِ أَنْقَاضِ الْمَخْرَجِ لِلشَّفِيعِ وَكُلُّ ذَلِكَ أَكْلُ مَالٍ مُحَرَّمٍ بِالْبَاطِلِ، بَلْ كُلُّ ذِي حَقٍّ أَوْلَى بِحَقِّهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

قَالَ عَلِيٌّ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْخِيَارَ فِي الْبَيْعِ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: الْمُصَرَّاةُ، وَمَنْ بَايَعَ وَقَالَ: لَا خِلَابَةَ فَهَذَانِ خِيَارُهُمَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا فَقَطْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>