وَهَذَا حَدِيثٌ فِي غَايَةِ فَسَادِ الْإِسْنَادِ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، فَمَرَّةً رَوَاهُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ كَثِيرٍ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ الدِّينَوَرِيِّ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ عَنْ عَمْرِو بْنِ حَرِيشٍ الزُّبَيْدِيِّ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ.
وَمَرَّةً قُلِبَ الْإِسْنَادُ؛ فَجُعِلَ أَوَّلُهُ آخِرَهُ وَآخِرُهُ أَوَّلَهُ: فَرَوَاهُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ جُبَيْرٍ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْشٍ.
وَمِثْلُ هَذَا لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ إلَّا مُجَاهِرٌ بِالْبَاطِلِ أَوْ جَاهِلٌ أَعْمَى.
ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَى الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ: لِأَنَّ الْأَجَلَ عِنْدَهُمْ إلَى الصَّدَقَةِ لَا يَجُوزُ، فَقَدْ خَالَفُوهُ، وَمَجِيءُ إبِلِ الصَّدَقَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَخْتَلِفُ اخْتِلَافًا عَظِيمًا مِنْهُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ كَبَلِيٍّ وَجُهَيْنَةَ، وَمِنْهُ عَلَى عِشْرِينَ يَوْمًا كَتَمِيمٍ، وطيئ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمَالِكِيِّينَ لَا يُجِيزُونَ سَلَمَ الْإِبِلِ فِي الْإِبِلِ إلَّا بِشَرْطِ اخْتِلَافِهَا فِي الرِّحْلَةِ وَالنَّجَابَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مَذْكُورًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
فَإِنْ قَالُوا: نَحْمِلُهُ عَلَى هَذَا؟ قُلْنَا: إنْ فَعَلْتُمْ كُنْتُمْ قَدْ كَذَبْتُمْ وَزِدْتُمْ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ، وَمَا لَمْ يُرْوَ قَطُّ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَخْبَارِ.
وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ الْحَنَفِيِّينَ الْمُحْتَجِّينَ بِكُلِّ بَلِيَّةٍ، كَالْوُضُوءِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ، وَالْوُضُوءِ بِالْخَمْرِ: أَنْ يَأْخُذُوا بِهَذَا الْخَبَرِ؛ لِأَنَّهُ مِثْلُهَا.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ بِعِلْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
فَقُلْنَا: هَذَا عَجَبٌ يَكُونُ قَوْلُ عُمَرَ " مِنْ الرِّبَا السَّلَمُ فِي سِنٍّ " مُضَافًا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ، وَيَكُونُ هَذَا الْخَبَرُ بِغَيْرِ عِلْمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي نَصِّهِ: «فَأَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ آخُذَ فِي إبِلِ الصَّدَقَةِ، فَكُنْتُ أَبْتَاعُ الْبَعِيرَ بِالْقَلُوصَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ إلَى إبِلِ الصَّدَقَةِ، فَلَمَّا قَدِمَتْ الصَّدَقَةُ قَضَاهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُفٍّ أُفٍّ لِعَدَمِ الْحَيَاءِ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute