لَمَّا نَصَّ الْحَدِيثُ أَنَّهُ نَحَلَهَا جِدَادَ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ، فَلَا يَخْلُو ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ لَا ثَالِثَ لَهُمَا -: إمَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ نَخْلًا تَجِدُّ مِنْهَا عِشْرِينَ وَسْقًا.
وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ تَمْرًا يَكُونُ عِشْرِينَ وَسْقًا مَجْدُودَةً، لَا بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا وَأَيُّ الْأَمْرَيْنِ كَانَ فَإِنَّمَا هِيَ عِدَةٌ؟ وَلَا يَلْزَمُ هَذِهِ الْقَضِيَّةُ عِنْدَهُمْ وَلَا عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مُعَيَّنٍ مِنْ النَّخْلِ، وَلَا مُعَيَّنٍ مِنْ التَّمْرِ، وَقَدْ تَجِدُّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ أَرْبَعِينَ نَخْلَةً، وَقَدْ تَجِدُّ مِنْ مِائَتَيْ نَخْلَةٍ، وَقَدْ لَا تَجِدُّ مِنْ نَخْلَةٍ بِالْغَابَةِ عِشْرِينَ وَسْقًا لِعَاهَةٍ تُصِيبَ الثَّمَرَةَ، فَهَذَا لَا يَتِمُّ إلَّا حَتَّى يُعَيِّنَ النَّخْلَ أَوْ الْأَوْسَاقَ فِي نَخْلَةٍ، فَيَتِمُّ حِينَئِذٍ بِالْجِدَادِ وَالْحِيَازَةِ، فَلَيْسَتْ هَذِهِ الْقِصَّةُ مِنْ الْهِبَةِ الْمَعْرُوفَةِ الْمَحْدُودَةِ، وَلَا مِنْ الصَّدَقَةِ الْمَعْلُومَةِ الْمُتَمَيِّزَةِ فِي وِرْدٍ وَلَا صَدْرٍ، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يُوهِمُونَ فِي الْأَخْبَارِ مَا لَيْسَ فِيهَا.
وَأَيْضًا - فَقَدْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ عُرْوَةَ، وَآخَرُ هُوَ مِثْلُ عُرْوَةَ بِخِلَافِ مَا رَوَاهُ عُرْوَةُ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيق عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ لِعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: يَا بُنَيَّةُ، إنِّي نَحَلْتُك نَخْلًا مِنْ خَيْبَرَ، وَإِنِّي أَخَاف أَنْ أَكُونَ آثَرْتُكِ عَلَى وَلَدِي، وَأَنَّكِ لَمْ تَكُونِي احْتَزْتِيهِ فَرُدِّيهِ عَلَى وَلَدِي؟ فَقَالَتْ: يَا أَبَتَاهُ، لَوْ كَانَتْ لِي خَيْبَرُ بِجِدَادِهَا لَرَدَدْتهَا.
فَالْقَاسِمُ لَيْسَ دُونَ عُرْوَةَ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ لَيْسَ دُونَ ابْنِ شِهَابٍ؛ لِأَنَّهُ أَدْرَكَ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ لَمْ يَأْخُذْ الزُّهْرِيُّ عَنْهُمْ، كَأَسْمَاءِ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمَا - وَابْنُ جُرَيْجٍ لَيْسَ دُونَ مَالِكٍ.
وَهَذِهِ السِّيَاقَةُ مُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا لَا لِقَوْلِهِمْ.
فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ مَا رَوَوْهُ مِمَّا لَا يُوَافِقُ قَوْلَهُمْ، بَلْ يُخَالِفُهُ: حُجَّةً لِمَا لَا يُوَافِقُهُ، وَلَا يَكُونُ مَا رُوِّينَاهُ مُوَافِقًا لِقَوْلِنَا: حُجَّةً لِمَا يُوَافِقُهُ هَذِهِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ مِمَّنْ أَطْلَقَهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ نا إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ نا ابْنُ نُمَيْرٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ - نا أَبِي عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقِ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَتْ: قَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ حِين أُحْضِرَ: إنِّي قَدْ كُنْتُ أَبَنْتُكِ بِنُحْلٍ فَإِنْ شِئْت أَنْ تَأْخُذِي مِنْهُ قِطَاعًا أَوْ قِطَاعَيْنِ ثُمَّ تَرُدِّينَهُ إلَى الْمِيرَاثِ؟ قَالَتْ: قَدْ فَعَلْتُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute