النَّضْرِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: نَحَلَنِي أَبِي نِصْفَ دَارِهِ، فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ: إنْ سَرَّك أَنْ تَحُوزَ ذَلِكَ فَاقْبِضْهُ، فَإِنَّ عُمَرَ قَضَى فِي الْأَنْحَالِ: مَا قُبِضَ مِنْهُ فَهُوَ جَائِزٌ، وَمَا لَمْ يُقْبَضْ مِنْهُ فَهُوَ مِيرَاثٌ - فَهَذَا أَنَسٌ بِأَصَحِّ سَنَدٍ لَا يَرَى الْحِرْزَ شَيْئًا.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ رَجُلٍ وَهَبَ لِامْرَأَتِهِ قَالَ: هِيَ جَائِزَةٌ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَقْبِضْهَا.
وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، كَقَضَائِهِمَا بِوَلَدِ الْمُسْتَحَقَّةِ رَقِيقًا لِسَيِّدِ أُمِّهِمْ، وَقَضَائِهِمَا فِي وَلَدِ الْعَرَبِيِّ مِنْ الْأَمَةِ بِخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ، وَكَإِبَاحَتِهِمَا الِاشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ.
وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، مِنْ إبْطَالِ هِبَةِ الْمَجْهُولِ.
وَكَكَلَامِ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ، يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي الْخُطْبَةِ بِحَضْرَةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، إذْ ذَكَرَ لَهُ عُمَرُ غُسْلَ الْجُمُعَةِ، وَكَإِيجَابِهِمَا الْقِصَاصَ مِنْ الْوَكْزَةِ وَاللَّطْمَةِ، وَسُجُودِهِمَا فِي الْخُطْبَةِ، إذْ قَرَآ السَّجْدَةَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ دُونَ مُخَالِفٍ وَقَوْلُهُمَا: مَنْ أَشْعَرَ لَزِمَتْهُ الْحُدُودُ - وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَكَتَخْيِيرِهِمَا الْمَفْقُودَ إذَا قَدِمَ امْرَأَتَهُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّدَاقِ - وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا، فَمَرَّةً هُمَا حُجَّةٌ وَمَرَّةً لَيْسَا حُجَّةً.
وَأَمَّا تَقْسِيمُ مَالِكٍ فِيمَنْ اعْتَمَرَ مِمَّا تَصَدَّقَ بِهِ أَوْ وَهَبَ الثُّلُثَ فَمَا فَوْقَهُ، أَوْ مَا دُونَ الثُّلُثِ، فَقَوْلٌ لَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ مَعَ تَنَاقُضِهِ هَاهُنَا، فَجَعَلَ الثُّلُثَ فِي حَيِّزِ الْكَثِيرِ، وَجَعَلَهُ فِيمَا تَحْكُمُ فِيهِ الْمَرْأَةُ مِنْ مَالِهَا فِي حَيِّزِ الْقَلِيلِ - وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا مَعَ أَنَّهُ خِلَافٌ مُجَرَّدٌ لِلرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ وَكُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ لَفْظَةٌ؛ لِأَنَّ جَمِيعَهُمْ إمَّا مُبْطِلٌ لِلْهِبَةِ فِيمَا لَمْ يَجُزْ جُمْلَةً، أَوْ فِي الصَّدَقَةِ كَذَلِكَ، أَوْ مُجِيزٌ لَهُ جُمْلَةً.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: إنْ قَبَضَهَا الْمَوْهُوبُ لَهُ أَوْ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِ الْوَاهِبِ أَوْ الْمُتَصَدِّقِ فَلَيْسَ قَبْضًا - فَلَا يُعْرَفُ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلرِّوَايَةِ عَنْ عُمَرَ.
وَعُثْمَانَ فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَمْ يَقُولَا حَتَّى يَقْبِضَ بِإِذْنِهِ، لَكِنْ قَالَا: حَتَّى يَقْبِضَ، فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُمَا حُجَّةً وَإِجْمَاعًا فَقَدْ خَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ الْحُجَّةَ وَالْإِجْمَاعَ بِإِقْرَارِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُهُمَا حُجَّةً وَلَا إجْمَاعًا فَلَا مَعْنَى لِاحْتِجَاجِهِمْ بِهِ - فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِكُلِّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute