للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَ الْمَرِيضِ وَالْخَائِفِ وَبَيْنَ الْمُسَافِرِ، لِأَنَّ الْمَرِيضَ الَّذِي لَا يَجِدُ الْمَاءَ مَأْمُورٌ بِالتَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ، كَمَا أُمِرَ بِهِ الْمُسَافِرُ فِي آيَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا فَرْقَ.

وَأَمَّا الْمَرِيضُ وَالْخَائِفُ الْمُبَاحُ لَهُمَا التَّيَمُّمُ لِرَفْعِ الْحَرَجِ وَالْعُسْرِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا، فَلَمْ يَأْتِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ وَلَا سَقِيمَةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قَوْلُ صَاحِبٍ وَلَا قِيَاسٌ وَلَا رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ، نَعَمْ، وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ قَبْلَ مَالِكٍ، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً وَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: يُعِيدُ الْكُلَّ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لَا يُعِيدُ فَنَظَرْنَا، فَوَجَدْنَا كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا مَأْمُورًا بِالتَّيَمُّمِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَلَمَّا صَلَّوْا كَانُوا لَا يَخْلُونَ مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونُوا صَلَّوْا كَمَا أُمِرُوا أَوْ لَمْ يُصَلُّوا كَمَا أُمِرُوا.

فَإِنْ قَالُوا لَمْ يُصَلُّوا كَمَا أُمِرُوا قُلْنَا لَهُمْ: فَهُمْ إذًا مَنْهِيُّونَ عَنْ التَّيَمُّمِ وَالصَّلَاةِ ابْتِدَاءً لَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ وَهَذَا لَا يَقُولُهُ أَحَدٌ، وَلَوْ قَالَهُ لَكَانَ مُخْطِئًا مُخَالِفًا لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَالْإِجْمَاعِ، فَإِذْ قَدْ سَقَطَ هَذَا الْقِسْمُ بِيَقِينٍ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقِسْمُ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّهُمْ قَدْ صَلَّوْا كَمَا أُمِرُوا، فَإِذْ قَدْ صَلَّوْا كَمَا أُمِرُوا فَلَا تَحِلُّ لَهُمْ إعَادَةُ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ، لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

حَدَّثَنَا بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ ثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ثنا ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ ثنا أَبُو دَاوُد ثنا أَبُو كَامِلٍ ثنا يَزِيدُ - يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ - ثنا حُسَيْنٌ - هُوَ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ مَوْلَى مَيْمُونَةَ قَالَ: «أَتَيْتُ ابْنَ عُمَرَ عَلَى الْبَلَاطِ وَهُمْ يُصَلُّونَ فَقَالَ: إنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: لَا تُصَلُّوا صَلَاةً فِي يَوْمٍ مَرَّتَيْنِ» فَسَقَطَ الْأَمْرُ بِالْإِعَادَةِ جُمْلَةً.

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَالثَّالِثُ مَنْ رَأَى الْمَاءَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، فَإِنَّ مَالِكًا وَالشَّافِعِيَّ وَأَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ وَأَبَا ثَوْرٍ وَدَاوُد.

قَالُوا: إنْ رَأَى الْمَاءَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَلْيَتَمَادَ عَلَى صَلَاتِهِ وَلَا يُعِيدُهَا وَلَا تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ بِذَلِكَ، وَإِنْ رَآهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيَغْتَسِلْ وَلَا بُدَّ، لَا تُجْزِيهِ صَلَاةٌ مُسْتَأْنَفَةٌ إلَّا بِذَلِكَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ: سَوَاءٌ وَجَدَ الْمَاءَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَ الصَّلَاةِ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَلَا بُدَّ، وَيَتَوَضَّأُ أَوْ يَغْتَسِلُ وَيَبْتَدِيهَا، وَأَمَّا إنْ رَآهُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ تِلْكَ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ الطَّهَارَةِ بِالْمَاءِ لِمَا يَسْتَأْنِفُ لَا تُجْزِيهِ صَلَاةٌ يَسْتَأْنِفُهَا إلَّا بِذَلِكَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>