وَالْمُقَارَبَةُ: هُوَ الِاجْتِهَادُ فِي التَّعْدِيلِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} [النساء: ١٢٩] فَصَحَّ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ فِي التَّعْدِيلِ بَيْنَ أَوْلَادِهِ إنْ لَمْ يُصَادِفْ حَقِيقَةَ التَّعْدِيلِ كَانَ مُقَارِبًا، إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُهُمْ بِرِوَايَةِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ لِهَذَا الْخَبَرِ «قَالَ جَابِرٌ: قَالَتْ امْرَأَةُ بَشِيرٍ: انْحَلْ ابْنِي غُلَامَكَ هَذَا، أَشْهِدْ لِي رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَلَهُ إخْوَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكُلُّهُمْ أَعْطَيْتَهُ مِثْلَ مَا أَعْطَيْتَهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَلَيْسَ يَصْلُحُ هَذَا، أَلَا وَإِنِّي لَا أَشْهَدُ إلَّا عَلَى حَقٍّ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَفَيَكُونُ أَعْجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ وَهُوَ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ فِي أَوَّلِهِ «لَيْسَ يَصْلُحُ» وَفِي آخِرِهِ «إنِّي لَا أَشْهَدُ إلَّا عَلَى حَقٍّ» فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ حَقًّا، وَإِذْ لَيْسَ حَقًّا فَهُوَ بَاطِلٌ وَضَلَالٌ قَالَ تَعَالَى: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ} [يونس: ٣٢]
فَإِنْ قَالُوا: فَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا يَصْلُحُ أَنْ يَبِيعَ» فِي حَدِيثِ الشُّفْعَةِ، ثُمَّ أَجَزْتُمُوهُ إذَا أَجَازَهُ الشَّفِيعُ وَنَهَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - عَنْ النَّذْرِ، ثُمَّ أَوْجَبْتُمُوهُ إذَا وَقَعَ.
قُلْنَا: نَعَمْ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْخِيَارَ لِلشَّفِيعِ إنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ، وَفِي تَرْكِهِ إقْرَارُ ذَلِكَ الْبَيْعِ، فَوَقَفْنَا عِنْدَ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي ذَلِكَ.
وَنَهَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَنْ النَّذْرِ ثُمَّ أَمَرَ بِالْوَفَاءِ بِهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ «يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» فَوَقَفْنَا عِنْدَ أَمْرِهِ، فَبَانُونَ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَمْضَاهُ بَعْدَ أَنْ أَمَرَهُ بِرَدِّهِ، وَنَحْنُ أَوَّلُ سَامِعٍ وَمُطِيعٍ، وَذَلِكَ مَا لَا يَجِدُونَهُ أَبَدًا.
وَأَتَى بَعْضُهُمْ بِآبِدَةٍ، وَهِيَ أَنَّهُ ذَكَرَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ هُوَ أَبُو الضُّحَى - سَمِعْتُ «النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَقُول: ذَهَبَ بِي أَبِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي شَيْءٍ أَعْطَانِيهِ فَقَالَ: أَلَكَ وَلَدٌ غَيْرُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَصَفَّ بِيَدِهِ أَجْمَعَ كُلِّهِ كَذَا، أَلَا سَوَّيْتَ بَيْنَهُمْ.»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute