للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: إنَّ مَنْ عَارَضَ رِوَايَةَ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا بِرِوَايَةِ فِطْرٍ لَمَخْذُولٌ، وَفِطْرٌ ضَعِيفٌ، وَلَوْلَا أَنَّ سُفْيَانَ رَوَاهُ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ النُّعْمَانِ مَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ؛ لِأَنَّ سَائِرَ الرِّوَايَاتِ زَائِدَةٌ - حُكْمًا وَلَفْظًا - عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة، فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا فِي حَدِيثِ فِطْرٍ هَذَا مِنْ طَرِيقِ مَنْ إنْ لَمْ يَكُنْ فَوْقَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ لَمْ يَكُنْ دُونَهُ - وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ - عَنْ فِطْرٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ صُبَيْحٍ سَمِعْتُ «النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ يَخْطُبُ يَقُولُ: جَاءَ بِي أَبِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُشْهِدَهُ عَلَى عَطِيَّةٍ أَعْطَانِيهَا؟ فَقَالَ: هَلْ لَكَ بَنُونَ سِوَاهُ؟ قَالَ: نَعَمْ قَالَ: سَوِّ بَيْنَهُمْ» فَهَذَا إيجَابٌ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمْ.

وَقَدْ حَمَلَ الْمَالِكِيُّونَ أَمْرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالتَّكْبِيرِ عَلَى الْفَرْضِ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ، وَحَمَلَ الْحَنَفِيُّونَ أَمْرَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِالْإِعَادَةِ مَنْ ضَحَّى قَبْلَ الْإِمَامِ عَلَى الْفَرْضِ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ.

وَمَا زَالُوا يَهْجُمُونَ عَلَى وُجُوهِ السُّخْفِ مُعَارَضَةً لِلْحَقِّ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَتَى بِخَرَزٍ فَقَسَمَهُ لِلْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَيُّ شَبَهٍ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَمْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنْ يَرُدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ وَالْعَطِيَّةَ، وَإِخْبَارُهُ بِأَنَّهَا جَوْرٌ لَوْ عَقَلُوا: فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَأَمَّا الْخَبَرُ «كُلُّ ذِي مَالٍ أَحَقُّ بِمَالِهِ» فَصَحِيحٌ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: ٣٦]

وَقَالَ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: ٦]

فَاَلَّذِي حَكَمَ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ، وَفَسَخَ أَجْرَ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانَ الْكَاهِنِ، وَبَيْعَ الْخَمْرِ، وَبَيْعَ أُمِّ الْوَلَدِ، وَبَيْعَ الرِّبَا، هُوَ الَّذِي فَسَخَ الصَّدَقَةَ وَالْعَطِيَّةَ الْمُفَضَّلَ فِيهَا بَعْضُ الْوَلَدِ عَلَى بَعْضٍ، وَلَوْ أَنَّهُمْ اعْتَرَضُوا أَنْفُسَهُمْ بِهَذَا الِاعْتِرَاضِ فِي إبْطَالِهِمْ النُّحْلَ وَالصَّدَقَةَ الَّتِي لَمْ تُقْبَضْ لَكَانَ أَصَحَّ وَأَثْبَتَ، وَلَكِنَّهُمْ كَالسُّكَارَى يَخْبِطُونَ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ عَمَلُ النَّاسِ فَقُلْنَا: عَمَلُ النَّاسِ الْغَالِبُ عَلَيْهِ الْبَاطِلُ.

وَقَالَ أَنَسٌ: مَا أَعْرِفُ مِمَّا أَدْرَكْت النَّاسَ عَلَيْهِ إلَّا الصَّلَاةَ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمَّا جَازَتْ مُفَاضَلَةُ الْإِخْوَةِ جَازَتْ مُفَاضَلَةُ الْأَوْلَادِ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>