اللَّفْظُ يَقْتَضِي أَنَّهُ قَدْ كَانَ الْحَبْسُ، وَقَدْ جَاءَ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِإِبْطَالِهِ - وَهَذَا بَاطِلٌ يُعْلَمُ بِيَقِينٍ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَمْ تَعْرِفْ فِي جَاهِلِيَّتِهَا الْحَبْسَ الَّذِي اخْتَلَفَا فِيهِ، إنَّمَا هُوَ اسْمٌ شَرِيعِيٌّ، وَشَرْعٌ إسْلَامِيٌّ: جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - كَمَا جَاءَ بِالصَّلَاةِ، وَالزَّكَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَلَوْلَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا عَرَفْنَا شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الشَّرَائِعِ، وَلَا غَيْرِهَا، فَبَطَلَ هَذَا الْكَلَامُ جُمْلَةً.
وَأَمَّا قَوْلُهُ " لَا حَبْسَ عَنْ فَرَائِضِ اللَّهِ " فَقَوْلٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ فِي جَوَازِ الْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ فِي الْحَيَاةِ، وَالْوَصِيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَكُلُّ هَذِهِ مُسْقِطَةٌ لِفَرَائِضِ الْوَرَثَةِ عَمَّا لَوْ لَمْ تَكُنْ فِيهِ لَوَرِثُوهُ عَلَى فَرَائِضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَيَجِبُ بِهَذَا الْقَوْلِ إبْطَالُ كُلِّ هِبَةٍ، وَكُلِّ وَصِيَّةٍ؛ لِأَنَّهَا مَانِعَةٌ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى بِالْمَوَارِيثِ.
فَإِنْ قَالُوا: هَذِهِ شَرَائِعُ جَاءَ بِهَا النَّصُّ؟ قُلْنَا: وَالْحَبْسُ شَرِيعَةٌ جَاءَ بِهَا النَّصُّ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَجُزْ.
وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيِّ نا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ نا ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَخِيهِ عِيسَى عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: «لَمَّا نَزَلَتْ سُورَةُ النِّسَاءِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَا حَبْسَ بَعْدَ سُورَةِ النِّسَاءِ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَابْنُ لَهِيعَةَ لَا خَيْرَ فِيهِ، وَأَخُوهُ مِثْلُهُ - وَبَيَانُ وَضْعِهِ: أَنَّ " سُورَةَ النِّسَاءِ " أَوْ بَعْضَهَا نَزَلَتْ بَعْدَ أُحُدٍ - يَعْنِي آيَةَ الْمَوَارِيثِ - وَحَبَسَ الصَّحَابَةُ بِعِلْمِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ خَيْبَرَ وَبَعْدَ نُزُولِ الْمَوَارِيثِ فِي " سُورَةِ النِّسَاءِ ".
وَهَذَا أَمْرٌ مُتَوَاتِرٌ جِيلًا بَعْدَ جِيلٍ.
وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَكَانَ مَنْسُوخًا بِاتِّصَالِ الْحَبْسِ بِعِلْمِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إلَى أَنْ مَاتَ.
وَذَكَرُوا أَيْضًا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَمُحَمَّدٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ ابْنِي أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، كُلُّهُمْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ «إنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ حَائِطِي هَذَا صَدَقَةٌ وَهُوَ إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَجَاءَ أَبَوَاهُ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ قِوَامُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute