للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَيْشِنَا فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ مَاتَا فَوِرْثَهُمَا ابْنُهُمَا»

زَادَ بَعْضُهُمْ " مَوْقُوفَةٌ " وَهِيَ زِيَادَةٌ غَيْرُ صَحِيحَةٍ وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ -:

أَوَّلُهَا - أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَلْقَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ قَطُّ.

وَالثَّانِي - أَنَّ فِيهِ أَنَّهُ قِوَامُ عَيْشِهِمْ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِوَامِ عَيْشِهِ، بَلْ هُوَ مَفْسُوخٌ إنْ فَعَلَهُ، فَهَذَا الْخَبَرُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ وَمُوَافِقًا لِقَوْلِنَا، وَمُخَالِفًا لِقَوْلِهِمْ فِي إجَازَتِهِمْ الصَّدَقَةَ بِمَا لَا يَبْقَى لِلْمَرْءِ بَعْدَهُ غِنًى.

وَالثَّالِثُ - أَنَّ لَفْظَةَ " مَوْقُوفَةٌ " إنَّمَا انْفَرَدَ بِهَا مَنْ لَا خَيْرَ فِيهِ.

وَمَوَّهُوا بِأَخْبَارٍ نَحْوِ هَذَا، لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرَ الْوَقْفِ، وَإِنَّمَا فِيهَا " صَدَقَةٌ " وَهَذَا لَا نُنْكِرُهُ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ كَانَ شُرَيْحٌ لَا يَعْرِفُ الْحَبْسَ - وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَقْضِيَ مَنْ لَا يَعْرِفُ مِثْلَ هَذَا.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ اسْتَحْيَا قَائِلُ هَذَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَهَلَّا قَالُوا هَذَا فِي كُلِّ مَا خَالَفُوا فِيهِ شُرَيْحًا، وَأَيُّ نَكِرَةٍ فِي جَهْلِ شُرَيْحٍ سُنَّةً وَأَلْفَ سُنَّةً، وَاَللَّهِ لَقَدْ غَابَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ نَسْخُ التَّطْبِيقِ، وَلَقَدْ غَابَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ مِيرَاثُ الْجَدَّةِ، وَلَقَدْ غَابَ عَنْ عُمَرَ أَخْذُ الْجِزْيَةِ مِنْ الْمَجُوسِ سِنِينَ، وَإِجْلَاءُ الْكُفَّارِ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ إلَى آخِرِ عَامٍ مِنْ خِلَافَتِهِ، وَبِمِثْلِ هَذَا لَوْ تُتُبِّعَ لَبَلَغَ أَزِيدَ مِنْ أَلْفِ سُنَّةٍ غَابَتْ عَمَّنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ شُرَيْحٍ.

وَلَوْ لَمْ يُسْتَقْضَ إلَّا مَنْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ سُنَّةٌ، وَلَا تَغِيبُ عَنْ ذِكْرِهِ سَاعَةً مِنْ دَهْرِهِ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ -: مَا اسْتَقْصَى أَحَدٌ، وَلَا قَضَى وَلَا أَفْتَى: أَحَدٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَكِنْ مَنْ جَهِلَ عُذِرَ وَمِنْ عَلِمَ غُبِطَ.

وَقَالُوا: الصَّدَقَةُ بِالثَّمَرَةِ الَّتِي هِيَ الْغَرَضُ مِنْ الْحَبْسِ يَجُوزُ فِيهَا الْبَيْعُ، فَذَلِكَ فِي الْأَصْلِ أَوْلَى.

قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ هُوَ قِيَاسٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ النَّصَّ وَرَدَ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا كَمَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ إيقَافِ الْأَصْلِ وَحَبْسِهِ وَتَسْبِيلِ الثَّمَرَةِ، فَهَذَا اعْتِرَاضٌ مِنْهُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا عَلَى غَيْرِهِ، وَالْقَوْمُ مَخَاذِيلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>