للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ قَطُّ إيجَابَهُ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَمْ يَنُصَّ عَلَى أَنَّهُ صَارَ التَّطَوُّعُ بِذَلِكَ وَاجِبًا، بَلْ أَبَاحَ رُكُوبَ الْبَدَنَةِ الْمُقَلَّدَةِ.

وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً لِوَجْهٍ مَا خَارِجَةً بِذَلِكَ عَنْ مَالِهِ بَاقِيَةً فِي مَالِهِ.

ثُمَّ كَذَبُوا فِي قَوْلِهِمْ: إنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَبْدَلَهُ مِنْ قَابِلٍ.

فَمَا صَحَّ هَذَا قَطُّ.

وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يُبَدِّلَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - هَدْيًا وَضَعَهُ فِي حَقٍّ فِي وَاجِبٍ ثُمَّ أَيُّ شَبَهٍ بَيْنَ هَدْيِ تَطَوُّعٍ يُنْحَرُ عَنْ وَاجِبٍ فِي الْإِحْصَارِ عَنْ أَصْحَابِهِ، وَعَنْ نَفْسِهِ الْمُقَدَّسَةِ فِي حَبْسٍ.

أَمَا يَسْتَحْيِ مِنْ هَذَا مِقْدَارَ عِلْمِهِ وَعَقْلِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

ثُمَّ نَقُولُ لَهُمْ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ ثُمَّ يَفْسَخَهُ، وَقِسْتُمُوهُ عَلَى الْهَدْيِ الْمَذْكُورِ، فَأَخْبِرُونَا: هَلْ لَهُ رُجُوعٌ فِي الْهَدْيِ بَعْدَ أَنْ يُوجِبَهُ فَيَبِيعَهُ هَكَذَا بِلَا سَبَبٍ أَمْ لَا؟ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: لَا، فَنَقُولُ لَهُمْ: فَهَذَا خِلَافُ قَوْلِكُمْ فِي الْحَبْسِ إذْ أَجَزْتُمْ الرُّجُوعَ فِيهِ بِلَا سَبَبٍ، وَظَهَرَ هَوَسُ قِيَاسِكُمْ الْفَاسِدِ الْبَارِدِ، وَيُقَالُ لَهُمْ: هَلَّا قَسَّمْتُمُوهُ عَلَى التَّدْبِيرِ الَّذِي لَا يَجُوزُ فِيهِ الرُّجُوعُ عِنْدَكُمْ، أَوْ هَلَّا قِسْتُمْ قَوْلَكُمْ فِي التَّدْبِيرِ عَلَى قَوْلِكُمْ فِي الْحَبْسِ، لَكِنْ أَبَى اللَّهُ تَعَالَى لَكُمْ إلَّا خِلَافَ الْحَقِّ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَكُلُّ هَذَا فَإِنَّمَا مِنْ احْتِجَاجِ مَنْ لَا يَرَى الْحَبْسَ جُمْلَةً وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَكُلُّ هَذَا خِلَافٌ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يُجِيزُ الْحَبْسَ، ثُمَّ يُجِيزُ نَقْضَهُ الْمُحْبَسَ، وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ، وَيُجِيزُ إمْضَاءَهُ وَهَذَا لَا يُعْقَلُ، وَنَسُوا احْتِجَاجَهُمْ بِ «الْمُسْلِمِ عِنْدَ شَرْطِهِ» وَ {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: ١] .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِذْ قَدْ بَطَلَتْ هَذِهِ الْأَقْوَالُ كُلُّهَا فَلْنَذْكُرْ الْبُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُسَدَّدٌ نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ نا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عُمَرَ قَالَ «أَصَابَ عُمَرُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ فَأَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ لَهُ: أَصَبْتُ أَرْضًا لَمْ أُصِبْ قَطُّ مَالًا أَنْفَسَ مِنْهُ فَكَيْفَ تَأْمُرُ بِهِ؟ فَقَالَ: إنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا فَتَصَدَّقَ بِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>