للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: مَا جَنَى شَيْئًا، بَلْ أَحْسَنَ وَتَقَرَّبَ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَكِنْ عَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ يَجْعَلُونَ خَبَرَ الْمُعْتِقِ نَصِيبَهُ حُجَّةً لِقَوْلِهِمْ الْفَاسِدِ فِي أَنَّ الْمُعْتَدِيَ لَا يَضْمَنُ إلَّا قِيمَةَ مَا أَفْسَدَ، لَا مِثْلَ مَا أَفْسَدَ، فَإِذْ هُوَ عِنْدَهُمْ إفْسَادٌ - وَهُمْ أَصْحَابُ تَعْلِيلٍ وَقِيَاسٍ، فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَقُولُوا بِقَوْلِ زُفَرَ هَذَا، وَإِلَّا فَقَدْ أَبْطَلُوا تَعْلِيلَهُمْ، وَنَقَضُوا قِيَاسَهُمْ، وَأَفْسَدُوا احْتِجَاجَهُمْ وَتَرَكُوا مَا أَصَّلُوا، وَهَذِهِ صِفَاتٌ شَائِعَةٌ فِي أَكْثَرِ أَقْوَالِهِمْ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا.

وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ؛ لِأَنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِقُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلَا رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلَا قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلَا تَابِعٍ، وَلَا أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُ، وَلَا بِقِيَاسٍ، وَلَا بِرَأْيٍ سَدِيدٍ، وَلَا احْتِيَاطٍ، بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِكُلِّ ذَلِكَ.

وَمَا وَجَدْنَاهُمْ مَوَّهُوا إلَّا بِكَذِبٍ فَاضِحٍ مِنْ دَعْوَاهُمْ: أَنَّ قَوْلَهُمْ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ عُمَرَ، وَكَذَبُوا كَمَا يَرَى كُلُّ ذِي فَهْمٍ مِمَّا أَوْرَدْنَا.

وَحَكَمُوا بِالِاسْتِسْعَاءِ، وَخَالَفُوا حَدِيثَ الِاسْتِسْعَاءِ فِي إجَازَتِهِمْ الَّذِي لَمْ يَعْتِقْ أَنْ يَعْتِقَ، وَأَنْ يَضْمَنَ فِي حَالِ إعْسَارِ الشَّرِيكِ، وَأَجَازُوا لَهُ أَنْ يَعْتِقَ، وَمَنَعُوهُ أَنْ يَحْتَبِسَ.

ثُمَّ أَتَوْا بِمَقَايِيسَ سَخِيفَةٍ عَلَى الْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبُ عِنْدَهُمْ قَدْ يَعْجِزُ فَيُرَقُّ، وَلَا يُرَقُّ عِنْدَهُمْ الْمُسْتَسْعَى، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يُفَارِقُوا فِيهِ الْكَذِبَ الْبَارِدَ

فَإِنْ قَالُوا: إنَّ كُلَّ فَصْلٍ مِنْ قَوْلِنَا مَوْجُودٌ فِي حَدِيثٍ مِنْ الْأَحَادِيثِ.

قُلْنَا: وَمَوْجُودٌ أَيْضًا خِلَافُهُ بِعَيْنِهِ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ، فَمِنْ أَيْنَ أَخَذْتُمْ مَا أَخَذْتُمْ وَتَرَكْتُمْ مَا تَرَكْتُمْ هَكَذَا مُطَارَفَةً؟ وَأَيْضًا - فَلَا يُوجَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْآثَارِ خِيَارٌ فِي تَضْمِينِ الْمُوسِرِ أَوْ تَرْكِ تَضْمِينِهِ، وَلَا رُجُوعَ الْمُوسِرِ عَلَى الْعَبْدِ، وَلَا تَضْمِينَ الْعَبْدِ فِي حَالِ يَسَارِ الَّذِي أَعْتَقَهُ أَصْلًا - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ - وَسَائِرُ الْأَقْوَالِ لَا مُتَعَلَّقَ لَهَا أَصْلًا

وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ نا أَبِي نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ مِنْ مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلُّهُ إنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>