للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا: نَعَمْ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ هَذَا أَيْضًا فِي كُلِّ ذِي رَحِمٍ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ " إذَا مَلَكَ الْوَالِدُ الْوَلَدَ عَتَقَ " أَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يُعْتِقُ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً إلَّا دَعْوَى الْإِجْمَاعِ عَلَى عِتْقِ مَنْ ذَكَرْنَا، وَهَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ فَمَا يُحْفَظُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلٌ عَنْ عِشْرِينَ مِنْ صَاحِبٍ وَتَابِعٍ - وَهُمْ أُلُوفٌ - فَأَيْنَ الْإِجْمَاعُ؟ فَإِنْ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [البقرة: ٨٣]

قُلْنَا: أَتِمُّوا الْآيَةَ {وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء: ٣٦] فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ

وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْوَالِدَيْنِ: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ} [الإسراء: ٢٤] .

قَالُوا: وَلَا يُمْكِنُ خَفْضُ الْجُنَاحِ وَالذُّلِّ لَهُمَا مَعَ اسْتِرْقَاقِهِمَا.

قَالُوا: وَأَمَّا الْوَلَدُ: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: ٩٢] {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: ٩٣] .

قَالُوا: فَوَجَبَ أَنَّ الرِّقَّ، وَالْوِلَادَةَ لَا يَجْتَمِعَانِ.

قَالُوا: وَأَمَّا الْأَخُ: فَقَدْ قَالَ تَعَالَى عَنْ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: {إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي} [المائدة: ٢٥] .

قَالُوا: فَكَمَا لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ كَذَلِكَ لَا يَمْلِكُ أَخَاهُ.

وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى السَّاجِيِّ نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ نا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد نا حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ - هُوَ الْقَارِئُ - عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْلًى يُقَالُ لَهُ صَالِحٌ اشْتَرَى أَخًا لَهُ مَمْلُوكًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: قَدْ عَتَقَ حِينَ مَلَكْتَهُ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا أَثَرٌ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ حَفْصَ بْنَ سُلَيْمَانَ سَاقِطٌ، وَابْنَ أَبِي لَيْلَى سِيءُ الْحِفْظِ، وَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إرْقَاقُ مَنْ عَدَا الْأَخِ.

وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي} [المائدة: ٢٥] فَتَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَتَخْلِيطٌ سَمِجٌ.

وَلَوْ كَانَ هَذَا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَرَى أَنَّ الْأَخَ يُمْلَكُ لَكَانَ أَدْخَلَ فِي الشُّبْهَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>