للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إثْبَاتُ الْمِلْكِ عَلَى الْأَخِ وَالنَّفْسِ، وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَقَعَ لِأَحَدٍ مِلْكُ رِقٍّ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَيْسَ مُحَالًا مِلْكُ أَخِيهِ وَأَبِيهِ، وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُ الْأَخِ عَلَى النَّفْسِ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَصْرِفُ نَفْسَهُ فِي الطَّاعَةِ أَوْ الْمَعْصِيَةِ بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَمْلِكُ نَفْسَهُ فِي ذَلِكَ، كَمَا قَالَ مُوسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنَّهُ يَمْلِكُ نَفْسَهُ فِي الْجِهَادِ، وَلَا يَصْرِفُ أَخَاهُ كَذَلِكَ وَلَا يُطِيعُهُ، فَفَسَدَ هَذَا الْقِيَاسُ الْبَارِدُ الَّذِي لَمْ يُسْمَعْ قَطُّ بِأَسْخَفَ مِنْهُ.

وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا} [مريم: ٩٢] {إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم: ٩٣] فَلَا يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يُسْتَدَلَّ مِنْ هَذَا عَلَى عِتْقِ الِابْنِ وَلَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُمْلَكُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا الْخَبَرَ عَنْهُمْ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ لَا أَوْلَادٌ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ لَوَجَبَ عِتْقُ الزَّوْجَةِ وَالشَّرِيكِ - إذَا مُلِكَا - لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى انْتَفَى عَنْ الْوَلَدِ سَوَاءً سَوَاءً، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْكُلَّ عَبِيدُهُ وَلَا فَرْقَ فَسَقَطَ احْتِجَاجُهُمْ جُمْلَةً، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَأَمَّا مَنْ قَالَ: لَا يَعْتِقُ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ فَإِنَّهُمْ ذَكَرُوا مَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: ١٤] فَافْتَرَضَ عَزَّ وَجَلَّ شُكْرَ الْأَبَوَيْنِ وَجَزَاؤُهُمَا هُوَ مِنْ شُكْرِهِمَا، فَجَزَاؤُهُمَا فَرْضٌ، فَإِذْ هُوَ فَرْضٌ، وَجَزَاؤُهُمَا لَا يَكُون إلَّا بِالْعِتْقِ فَعِتْقُهُمَا فَرْضٌ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا.

ثُمَّ نَظَرْنَا: فِيمَا احْتَجَّ بِهِ الْأَوْزَاعِيِّ فَوَجَدْنَا مِنْ حُجَّتِهِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى} [النساء: ٣٦] .

قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا لَا يُوجِبُ الْعِتْقَ؛ لِأَنَّ الْإِحْسَانَ فُرِضَ إلَى الْعَبِيدِ، وَلَا يَقْتَضِي ذَلِكَ عِتْقَهُمْ فَرْضًا، وَلَوْ وَجَبَ ذَلِكَ فِي ابْنِ الْعَمِّ، وَابْنِ الْخَال لَوَجَبَ فِي كُلِّ مَمْلُوكٍ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَجْتَمِعُونَ فِي أَبٍ بَعْدَ أَبٍ إلَى آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخُصَّ بِهَذَا ابْنَ الْعَمِّ، وَابْنَ الْخَالِ: دُونَ ابْنِ ابْنِ الْعَمِّ وَابْنِ ابْنِ الْخَالِ، وَهَكَذَا صَعَدًا، فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ.

ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِنَا فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نا

<<  <  ج: ص:  >  >>