للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عُثْمَانَ، فَقَامَ بَيْنَ يَدَيْهِ قَائِمًا وَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فُلَانٌ كَاتَبَهُ؟ فَقَطَّبَ ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ. وَلَوْلَا أَنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَا فَعَلْت ذَلِكَ

وَذَكَرَ الْخَبَرَ وَرُوِيَ عَنْ مَسْرُوقٍ وَالضَّحَّاكِ، وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: مُكَاتَبَتُهُ وَاجِبَةٌ إذَا طَلَبَهَا، وَأَخْشَى أَنْ يَأْثَمَ إنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ، وَلَا يُجْبِرُهُ الْحَاكِمُ عَلَى ذَلِكَ - وَبِإِيجَابِ ذَلِكَ، وَجَبْرِ الْحَاكِمِ عَلَيْهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا. فَهَذَا عُمَرُ، وَعُثْمَانُ يَرَيَانِهَا وَاجِبَةً، وَيُجْبِرُ عُمَرُ عَلَيْهَا وَيَضْرِبُ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ ذَلِكَ، وَالزُّبَيْرِ يَسْمَعُ حَمَلَ عُثْمَانُ الْآيَةَ عَلَى الْوُجُوبِ فَلَا يُنْكَرُ عَلَى ذَلِكَ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ لَمَّا ذُكِّرَ بِالْآيَةِ سَارَعَ إلَى الرُّجُوعِ إلَى الْمُكَاتَبَةِ وَتَرَكَ امْتِنَاعَهُ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَا يُعْرَفُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَخَالَفَ ذَلِكَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، فَقَالُوا لَيْسَتْ وَاجِبَةً، وَمَوَّهُوا فِي ذَلِكَ بِتَشْغِيبَاتٍ، مِنْهَا: أَنَّهُمْ ذَكَرُوا آيَاتٍ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَى النَّدْبِ مِثْلَ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: ٢] ، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ} [الجمعة: ١٠] .

وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْلَا نُصُوصٌ أُخَرُ جَاءَتْ لَكَانَ هَذَانِ الْأَمْرَانِ فَرْضًا، لَكِنْ لَمَّا حَلَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ وَلَمْ يَصْطَدْ صَارَ الْأَمْرُ بِذَلِكَ نَدْبًا - وَلَمَّا حَضَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْقُعُودِ فِي مَوْضِعِ الصَّلَاةِ وَرَغَّبَ فِي ذَلِكَ كَانَ الِانْتِشَارُ نَدْبًا. فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُمْ نَصٌّ يُبَيِّنُ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْكِتَابَةِ نَدْبٌ صِرْنَا إلَيْهِمْ؟ وَإِلَّا فَقَدْ كَذَبَ مُحَرِّفُ الْقُرْآنِ عَنْ مَوْضِعِ كَلِمَاتِهِ، وَلَيْسَ إذَا وُجِدَ أَمْرٌ مَخْصُوصٌ أَوْ مَنْسُوخٌ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ أَمْرٍ فِي الْقُرْآنِ مَنْسُوخًا أَوْ مَخْصُوصًا. وَقَالُوا: لَمَّا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّ لَهُ بَيْعَهُ إذَا طَلَبَ مِنْهُ الْكِتَابَةَ عَلِمْنَا أَنَّ الْأَمْرَ بِهَا نَدْبٌ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا تَمْوِيهٌ بَارِدٌ، نَعَمْ، وَلَهُ بَيْعُهُ، وَإِنْ كَاتَبَهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ، وَلَهُ بَيْعُ مَا قَابَلَ مِنْهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ حَتَّى يَتِمَّ عِتْقُهُ بِالْأَدَاءِ. وَهُمْ يَقُولُونَ فِيمَنْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدِهِ إنْ قَدِمَ أَبُوهُ: أَنَّ لَهُ بَيْعَهُ مَا لَمْ يَقْدَمْ أَبُوهُ - وَفِي ذَلِكَ بُطْلَانُ نَذْرِهِ الْمُفْتَرَضِ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ لَوْ لَمْ أَبِعْهُ. وَقَالُوا: لَمْ نَجِدْ فِي الْأُصُولِ أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَى عَقْدٍ فِيمَا يَمْلِكُ؟

<<  <  ج: ص:  >  >>