للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَطْؤُهَا كَإِتْلَافِ بَعْضِهَا - وَهَذَا غَايَةُ السُّخْفِ - وَلَئِنْ كَانَ كَإِتْلَافِ بَعْضِهَا إنَّهُ لَحَرَامٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الْكِتَابَةِ، كَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ إتْلَافُ بَعْضِهَا وَلَا فَرْقَ. وَأَمَّا قَوْلُنَا " إنْ عَادَ إلَى مِلْكِهِ لَمْ تَعُدْ الْكِتَابَةُ " فَلِأَنَّ كُلَّ عَقْدٍ بَطَلَ بِحَقٍّ فَلَا يَرْجِعُ إلَّا بِابْتِدَاءِ عَقْدِهِ، أَوْ بِأَنْ يُوجِبَ عَوْدَتَهُ بَعْدَ بُطْلَانِهِ نَصٌّ، وَلَا نَصَّ هَاهُنَا. وَأَمَّا إذَا أَدَّيَا شَيْئًا فَقَدْ شُرِعَ الْعِتْقُ فِيهِمَا بِمِقْدَارِ مَا أَدَّيَا، وَلَا يَحِلُّ بَيْعُ حُرٍّ وَلَا بَيْعُ جُزْءِ حُرٍّ، وَلَا وَطْءُ مَنْ بَعْضُهَا حُرٌّ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِلْكَ يَمِينِهِ حِينَئِذٍ، بَلْ بَعْضُهَا مِلْكُ يَمِينِهِ وَبَعْضُهَا غَيْرُ مِلْكِ يَمِينِهِ وَالْوَطْءُ لَا يَنْقَسِمُ، وَلَا يَحِلُّ وَطْءٌ حَرَامٌ أَصْلًا، فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ زَانٍ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَالْوَلَدُ غَيْرُ لَاحِقٍ - وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - وَلَهُ بَيْعُ مَا فِي مِلْكِهِ مِنْهُمَا، وَلِمَا ذَكَرْنَا مِنْ جَوَازِ بَيْعِ الْمَرْءِ حِصَّتَهُ الَّتِي فِي مِلْكِهِ.

وَأَمَّا قَوْلُنَا " إنْ مَاتَ السَّيِّدُ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ، أَوْ مَا قَابَلَ مَا لَمْ يُؤَدِّ مِنْهُ " فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا} [الأنعام: ١٦٤] وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - شُرُوعُ الْعِتْقِ فِي الْمُكَاتَبِ بِالْأَدَاءِ، وَبَقَاءُ سَائِرِهِ رَقِيقًا، فَإِذَا مَاتَ السَّيِّدُ فَمَا عَتَقَ بِالْأَدَاءِ حُرٌّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ رَقِيقًا، وَمَا بَقِيَ رَقِيقًا فَقَدْ مَلَكَهُ: الْوَرَثَةُ، وَالْمُوصَى لَهُمْ، أَوْ الْغُرَمَاءُ. وَلَا يَجُوزُ عَقْدُ الْمَيِّتِ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ قَوْلَ الشَّعْبِيِّ لَيْسَ لِمَيِّتٍ شَرْطٌ وَقَالَ هَؤُلَاءِ: إنَّمَا يَرِثُونَ الْكِتَابَةَ - وَهَذَا بَاطِلٌ عَلَى أُصُولِهِمْ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ دَيْنًا وَلَا مَالًا مُسْتَقِرًّا وَاجِبًا، فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ: إنَّهَا تُورَثُ.

وَأَمَّا مَوْتُ الْمُكَاتَبِ: فَفِيهِ خِلَافٌ قَدِيمٌ، وَحَدِيثٌ. فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَالُهُ كُلُّهُ لِسَيِّدِهِ، رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِي الْمُكَاتَبِ يَمُوتُ وَلَهُ وَلَدٌ أَحْرَارٌ، وَلَهُ مَالٌ أَكْثَرُ مِمَّا بَقِيَ عَلَيْهِ: أَنَّ مَالَهُ كُلَّهُ لِسَيِّدِهِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ طَارِقٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ فِي الْمُكَاتَبِ يَمُوتُ وَلَهُ وَرَثَةٌ: إنَّ مَالَهُ كُلَّهُ لِسَيِّدِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِيمَا تَرَكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>