للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْعَجَبُ: أَنَّ الْمَانِعِينَ مِنْ وَطْئِهَا اخْتَلَفُوا، فَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ: إنْ حَمَلَتْ بَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: يُجْلَدُ مِائَةً، فَإِنْ حَمَلَتْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ. قَالَ عَلِيٌّ: لَيْتَ شِعْرِي كَيْفَ يُجْلَدُ مِائَةً فِي وَطْئِهِ مَنْ تَكُونُ أُمَّ وَلَدِهِ إنْ حَمَلَتْ؟ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ، وَإِنَّمَا هُوَ فِرَاشٌ أَوْ عِهْرٌ وَلَا ثَالِثَ.

وَقَالَ قَتَادَةُ: يُجْلَدُ مِائَةَ سَوْطٍ غَيْرَ سَوْطٍ، وَهِيَ كَذَلِكَ إنْ طَاوَعَتْهُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ وَطِئَهَا وَلَا عَلَيْهَا، فَإِنْ حَمَلَتْ فَهِيَ بِالْخِيَارِ بَيْنَ التَّمَادِي عَلَى الْكِتَابَةِ، وَبَيْنَ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ وَتُبْطِلُ الْكِتَابَةَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، كَقَوْلِ سُفْيَانَ، إلَّا أَنَّهُ زَادَ " إنْ تَمَادَتْ عَلَى الْكِتَابَةِ أَخَذَتْ مِنْهُ مَهْرَ مِثْلِهَا فَاسْتَعَانَتْ بِهِ فِي كِتَابَتِهَا " إلَّا أَنَّ مَالِكًا زَادَ " أَنَّهُ يُؤَدَّبُ ". قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَيْتَ شِعْرِي لِأَيِّ مَعْنًى تَأْخُذُ مِنْهُ مَهْرًا أَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ فَيَكُونُ لَهَا مَهْرُ هَذَا الْبَاطِلِ أَمْ هِيَ بَغْيٌ؟ فَقَدْ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَهْرَ الْبَغْيِ، أَمْ هِيَ مِلْكُ يَمِينِهِ فَهِيَ حَلَالٌ وَلَا مَهْرَ لَهَا؟ أَمْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ بِصِفَةٍ، كَالْحَائِضِ، أَوْ الصَّائِمَةِ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَتَخْلِيطٌ لَا يُعْقَلُ؟ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُعَزَّرَانِ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ - وَهَذَا تَنَاقُضٌ كَمَا ذَكَرْنَا.

وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ فِي الْمَنْعِ مِنْ وَطْئِهَا بِأَنْ قَالُوا: قَدْ خَرَجَتْ مِنْ يَدِهِ وَصَارَتْ فِي يَدِ نَفْسِهَا، كَالْمَرْهُونَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا كَذِبٌ، مَا خَرَجَتْ عَنْ يَدِهِ، وَلَا عَنْ مِلْكِهِ، إلَّا بِالْأَدَاءِ فَقَطْ، وَالدَّعْوَى لَا تَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ، وَالْمَرْهُونَةُ حَلَالٌ لِسَيِّدِهَا، وَالْمَانِعُ مِنْ وَطْئِهَا مُخْطِئٌ - وَهَذَا احْتِجَاجٌ لِلْبَاطِلِ بِالْبَاطِلِ، وَلِلدَّعْوَى بِالدَّعْوَى، وَلِقَوْلِهِمْ بِقَوْلِهِمْ.

وَقَالُوا: قَدْ سَقَطَ مِلْكُهُ عَنْ مَنَافِعِهَا وَوَطْؤُهَا مِنْ مَنَافِعِهَا. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كَذِبٌ، بَلْ سَقَطَ مِلْكُهُ عَنْ رَقَبَتِهَا، وَمِلْكُ رَقَبَتِهَا مِنْ مَنَافِعِهَا، وَإِنَّمَا الْحَقُّ هَاهُنَا أَنَّ مَنَافِعَهَا لَهُ بِلَا خِلَافٍ، فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ مِنْهُمَا إلَّا مَا أَخْرَجَهُ النَّصُّ، وَلَا نَصَّ فِي مَنْعِهِ مِنْ وَطْئِهَا مَا لَمْ تُؤَدِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>