للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَمْصَارِ، فَعُثْمَانُ رَأَى هَذَا حُجَّةً، وَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَرَهُ حُجَّةً، وَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ هُوَ الْقُرْآنُ، وَالسُّنَّةُ، وَنَصُّهُمَا يَشْهَدُ بِصِحَّةِ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَكَمْ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُثْمَانَ، وَعُمَرَ: كَتَقْوِيمِهِمَا الدِّيَةَ بِالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ، وَالْحُلَلِ، وَإِضْعَافِهَا فِي الْحَرَمِ - وَالْقَضَاءِ بِوَلَدِ الْغَارَةِ رَقِيقًا لِسَيِّدِ أُمِّهِمْ فِي كَثِيرٍ جِدًّا.

وَمَنْ ادَّعَى مِثْلَ هَذَا إجْمَاعًا - وَمُخَالِفُ الْإِجْمَاعِ - عِنْدَهُمْ كَافِرٌ: فَابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى قَوْلِهِمْ كَافِرٌ، إذْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا، بَلْ مُكَفِّرُهُ أَحَقُّ بِالْكُفْرِ وَأَوْلَى.

وَأَمَّا الْخَطَأُ مَعَ قَصْدِ الْحَقِّ فَلَا يُرْفَعُ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَخَوَانِ يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ إخْوَةٍ؟ قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ: حُجَّةٌ فِي اللُّغَةِ، وَقَدْ اجْتَمَعَا عَلَى خِلَافِ هَذَا، وَبِنْيَةُ اللُّغَةِ مُكَذِّبَةٌ لِهَذَا الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ بِنْيَةَ التَّثْنِيَةِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - غَيْرُ بِنْيَةِ الْجَمْعِ بِالثَّلَاثَةِ فَصَاعِدًا، فَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: الرَّجُلَانِ قَامُوا، وَلَا الْمَرْأَتَانِ قُمْنَ.

وَاحْتَجُّوا فِي هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَيْنِ، وَالْوَاجِبُ قَطْعُهُمَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ.

وَذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: ٤] وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ إنَّ كُلَّ اثْنَيْنِ مِنْ اثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يُخْبَرُ عَنْهُمَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ، قَالَ الرَّاجِزُ:

وَمَهْمَهَيْنِ قَذَفَيْنِ مَرَّتَيْنِ ... ظَهْرَاهُمَا مِثْلَ ظُهُورِ التُّرْسَيْنِ

فَهَذَا بَابٌ مَضْبُوطٌ لَا يُتَعَدَّى

وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} [ص: ٢١] {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} [ص: ٢٢] إلَى قَوْله تَعَالَى: {إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} [ص: ٢٣] وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا نُكْرَةَ فِي دُخُولِهِمَا وَمَعَهُمَا غَيْرُهُمَا.

وَذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعًا} [يوسف: ٨٣] وَهَذَا عَلَيْهِمْ، لَا لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَةً: يُوسُفُ، وَأَخُوهُ الْأَصْغَرُ الْمُحْتَبَسُ عَنْ الصُّوَاعِ، وَكَبِيرُهُمْ الَّذِي قَالَ {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} [يوسف: ٨٠] .

<<  <  ج: ص:  >  >>