للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كِلَاهُمَا عَنْ الثَّقَفِيِّ - هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ - عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ «أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَدَعَا بِهِمْ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَجَزَّأَهُمْ أَثْلَاثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً، وَقَالَ لَهُ قَوْلًا شَدِيدًا» .

وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، وَنَقُولُ -: إنَّنَا لَمْ نَجِدْ لِأَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - فِي الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ، فِيمَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ شَيْئًا، إلَّا لِعَطَاءٍ وَحْدَهُ: فِيمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ ثُلُثِ عَبْدٍ لَهُ لَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُ يُعْتَقُ كُلُّهُ، وَيَسْتَسْعِي لِلْوَرَثَةِ فِي قِيمَةِ ثُلُثَيْهِ.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا هُشَيْمٌ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ سَالِمٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ مَمْلُوكٍ لَهُ فَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ سَعَى فِيمَا زَادَ - وَهُوَ قَوْلُنَا - وَأَمَّا سَائِرُهُمْ فَإِنَّمَا وَجَدْنَا عَنْهُمْ مَنْ أَعْتَقَ مِنْ ثُلُثِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَنَحْنُ مَنْ لَا يُعْطِي نُصُوصَ الرِّوَايَاتِ نَصًّا مِمَّا يُحَرِّفُهَا عَنْ مَوَاضِعِهَا - وَقَدْ أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى نِعَمِهِ كَثِيرًا.

وَقَدْ يُمْكِنُ لَهُمْ فِي الْوَصِيَّةِ قَوْلٌ غَيْرُ قَوْلِهِمْ فِيمَنْ أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَمَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ عَنْهُمْ، فَقَدْ قَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَأَوْقَع نَهْيَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَاسْتَسْهَلَ الْكَذِبَ وَالْقَطْعَ بِالظَّنِّ.

وَأَمَّا نَحْنُ فَلَا نُورِدُ إلَّا مَا رُوِّينَا، وَلَا نَحْكِي مَا لَمْ نَسْمَعْ، وَلَا نُخْبِرُ بِمَا لَمْ يَبْلُغْنَا وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا الرُّتْبَةِ الْمُهْلِكَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَسَنَذْكُرُ الرِّوَايَاتِ الَّتِي بَلَغَتْنَا فِي ذَلِكَ - إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - إثْرَ تَمَامِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ " فِي مَسْأَلَةِ حُكْمِ الْمَرِيضِ وَمَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ فِي مَالِهِ " وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فَإِذْ الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْنَا فَلِنَذْكُرَ مَا وَجَدْنَا عَنْ الْمُتَأَخِّرِينَ الْمُصَرِّحِينَ بِمَا قَالُوا فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ بِعِتْقٍ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ -: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ مَمَالِيكَ لَهُ لَا يَمْلِكُ غَيْرَهُمْ وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أُعْتِقُوا كُلُّهُمْ، وَاسْتَسْعُوا جَمِيعُهُمْ فِيمَا زَادَ مِنْ قِيمَتِهِمْ عَلَى مِقْدَارِ ثُلُثِ الْمُوصِي.

<<  <  ج: ص:  >  >>