للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا كُفْرٌ مَكْشُوفٌ مُجَرَّدٌ مَنْ نَسَبَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ حَكَمَ بِالْقِمَارِ، وَالْمَيْسِرِ، وَنَحْنُ بَرَاءٌ مِنْهُ وَكَفَى؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: ٦٥] فَنَحْنُ حَكَّمْنَاهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيمَا شَجَرَ بَيْنَنَا، ثُمَّ لَمْ نَجِدْ فِي أَنْفُسِنَا حَرَجًا مِمَّا قَضَى وَسَلَّمْنَا تَسْلِيمًا، وَهُمْ لَمْ يُحَكِّمُوهُ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ وَجَدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ الْحَرَجَ مِمَّا قَضَى، وَلَمْ يُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا - فَتَبًّا لَهُمْ وَسُحْقًا.

وَقَالُوا: هَذَا مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَرَضَ بِهِ عَلَى الْأُصُولِ؟ فَقُلْنَا: هَذَا أَبْرَدُ مِمَّا أَتَيْتُمْ بِهِ، وَمَا عَلِمْنَا فِي الدِّينِ أُصُولًا إلَّا الْقُرْآنَ وَبَيَانَهُ، مِمَّا صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَوَاءٌ بِنَقْلِ ثِقَةٍ عَنْ مِثْلِهِ مُسْنَدًا، أَوْ بِنَقْلِ تَوَاتُرٍ - وَأَمَّا فَرْقُكُمْ فَضَلَالٌ وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ، وَإِفْكٌ مُطَّرَحٌ {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: ١١١]

فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

١٧٧١ - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَوْصَى بِعِتْقِ مَمْلُوكٍ لَهُ أَوْ مَمَالِيكَ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لِلَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلنَّاسِ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الدَّيْنُ مُحِيطًا بِمَالِهِ كُلِّهِ: بَطَلَ كُلُّ مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ الْعِتْقِ جُمْلَةً، وَبِيعُوا فِي الدَّيْنِ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْمَوَارِيثِ: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} [النساء: ١١] وَحَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَجُوزُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فِيمَا يُخَلِّفُهُ الْمُوصِي، وَأَنَّ لِلْوَرَثَةِ الثُّلُثَيْنِ، أَوْ مَا فَضَلَ عَنْ الْوَصِيَّةِ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ.

فَصَحَّ ضَرُورَةً: أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ وَاجِبًا لِلْغُرَمَاءِ - فَصَحَّ أَنَّ مَنْ أَحَاطَ الدَّيْنُ بِجَمِيعِ مَا تَرَكَ، فَإِنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ مَا لَا يُوصِي فِيهِ، وَأَنَّ مَا تَخَلَّفَهُ انْتَقَلَ إلَى مِلْكِ الْغُرَمَاءِ إثْرَ مَوْتِهِ بِلَا فَصْلٍ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُوصِيَ فِي مَالِ غَيْرِهِ: فَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِذَلِكَ.

وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ لِلْغُرَمَاءِ وَيَعْتِقُ - وَهَذَا بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>