للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَوَّهُوا فِي الِاحْتِجَاجِ بِخَبَرٍ لَيْسَ فِيهِ لِلْوَصِيَّةِ ذِكْرٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ عَبْدًا وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ» وَهَذَا خَبَرٌ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: حُكْمُ الْوَصِيَّةِ، إنَّمَا فِيهِ حُكْمُ مَنْ أَعْتَقَ فِي حَيَاتِهِ عِنْدَ مَوْتِهِ.

فَإِنْ قَالُوا: الْأَمْرُ سَوَاءٌ فِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ؟ قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَبَيْنَ فِعْلِ الْحَيِّ عِلَّةً تَجْمَعُ بَيْنَهُمَا - عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - فَكَيْفَ وَهُوَ خَبَرٌ مَكْذُوبٌ لَا يَصِحُّ -: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا هُشَيْمٌ أَنَا حَجَّاجٌ - هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ - عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ بَدْرٍ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْمَكِّيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَهَذَا فِيهِ أَرْبَعُ فَضَائِحَ -: إحْدَاهَا يَكْفِي -:

أَوَّلُهَا: أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ.

وَثَانِيهَا: أَنَّهُ عَنْ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ مُطْرَحٌ.

وَثَالِثُهَا: عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ بَدْرٍ وَهُوَ هَالِكٌ مَتْرُوكٌ.

وَرَابِعُهَا: أَنَّهُ عَنْ أَبِي يَحْيَى الْمَكِّيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ.

وَلَا يَحِلُّ الْأَخْذُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا هَذِهِ صِفَتُهُ.

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَلَوْ أَوْصَى بِعِتْقِ مَمْلُوكٍ لَهُ أَوْ مَمَالِيكَ - وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَا يُحِيطُ بِمَا تَرَكَ - وَكَانَ يَفْضُلُ مِنْ الْمَمْلُوكِ فَضْلَةٌ عَنْ الدَّيْنِ - وَإِنْ قَلَّتْ - أُعْتِقَ مَنْ أَوْصَى بِعِتْقِهِ، وَيَسْعَى لِلْغُرَمَاءِ فِي دَيْنِهِمْ، ثُمَّ عَتَقَ مِنْهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ بِلَا اسْتِسْعَاءٍ وَاسْتَسْعَى لِلْوَرَثَةِ فِي حَقِّهِمْ.

بُرْهَانُ ذَلِكَ -: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِنْفَاذِ عِتْقِ مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ، وَأَنْ يَسْتَسْعِيَ الْمَمْلُوكُ الْمُعْتَقُ لِشَرِيكِ مُعْتِقِهِ، وَهَذَا الْمُوصَى بِعِتْقِهِ لِلْمُوصِي فِيهِ حَقٌّ - وَقَدْ شَرِكَهُ الْغُرَمَاءُ وَالْوَرَثَةُ - فَيُعْتَقُ وَيَسْعَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>