للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاتْرُكُوهُ» .

فَصَحَّ ضَرُورَةً أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ حُكْمٌ أَبَدًا عَنْ أَنْ يَأْمُرَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيَكُونُ فَرْضًا مَا اسْتَطَعْنَا مِنْهُ أَوْ يَنْهَى عَنْهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَيَكُونُ حَرَامًا، أَوْ لَا يَكُونُ فِيهِ أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ فَهُوَ مُبَاحٌ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ، وَبَطَلَ أَنْ تَنْزِلَ نَازِلَةٌ فِي الدِّينِ لَا حُكْمَ لَهَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ - وَلَوْ وُجِدَتْ - وَقَدْ أَبَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تُوجَدَ -: لَكَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُشَرِّعَ فِيهَا حُكْمًا دَاخِلًا فِي الدِّينِ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى إذْ قَوْله تَعَالَى: {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى: ٢١] .

فَإِنْ قَالُوا: نَحْكُمُ فَهَا بِحُكْمٍ مَا يُشْبِهُهَا مِنْ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ؟ قُلْنَا: وَأَيْنَ أَمَرَكُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا؟ وَهَذَا هُوَ الشَّرْعُ فِي الدِّينِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ.

فَإِنْ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبْصَارِ} [الحشر: ٢] ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، اعْتَبِرُوا مَعْنَاهُ اعْجَبُوا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ} [النحل: ٦٦] ، وَمَا فَهِمَ أَحَدٌ قَطُّ مِنْ " {فَاعْتَبِرُوا} [الحشر: ٢] اُحْكُمُوا لِلشَّيْءِ بِحُكْمِ نَظِيرِهِ، وَهَذَا هُوَ تَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَالْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ وَبِمَا لَمْ يَقُلْهُ.

فَإِنْ قَالُوا: قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} [آل عمران: ١٥٩] .

قُلْنَا: نَعَمْ، فِيمَا أُبِيحَ لَهُ فِعْلُهُ وَتَرْكُهُ، لَا فِي شَرْعِ الدِّينِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا فِي إسْقَاطِ فَرْضٍ فَرَضَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا فِي إبَاحَةِ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا فِي تَحْرِيمِ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَا فِي إيجَابِ مَا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ} [الحجرات: ٧] .

فَصَحَّ أَنَّ الْأَخْذَ بِرَأْيِهِمْ لَا يَجُوزُ فِي الدِّينِ إلَّا حَيْثُ صَحَّحَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَإِنَّمَا صَحَّ طَاعَةً لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا اتِّبَاعًا لِمَنْ أَشَارَ بِهِ - ثُمَّ كُلُّ مَا أَتَوْا بِهِ مِنْ آيَةٍ أَوْ سُنَّةٍ فِيهَا: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَكَمَ فِي أَمْرِ كَذَا بِكَذَا مِنْ أَجْلِ كَذَا وَكَذَا، أَوْ كَمَا حَكَمَ فِي أَمْرِ كَذَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>