للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هَؤُلَاءِ مِنْ التَّابِعِينَ مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْهُمْ، كَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ عَنْهُ فِي الْمَرْأَةِ تَرَى الصُّفْرَةَ وَالْكُدْرَةَ أَنَّهَا تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، وَرُوِّينَا عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ الْقَعْقَاعِ: سَأَلْنَا إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ الْمَرْأَةِ تَرَى الصُّفْرَةَ؟ قَالَ: تَتَوَضَّأُ وَتُصَلِّي، وَعَنْ مَكْحُولٍ مِثْلُ ذَلِكَ. فَإِنْ ذَكَرُوا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الَّذِي يَأْتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ إنْ كَانَ الدَّمُ عَبِيطًا فَدِينَارٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ صُفْرَةٌ فَنِصْفُ دِينَارٍ» قُلْنَا: هَذَا حَدِيثٌ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا قَدْ خَالَفُوا مَا فِيهِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْخَبَرِ حُجَّةً وَبَعْضُهُ لَيْسَ حَجَّةً، فَكَيْفَ وَهُوَ بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ رَاوِيهِ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ أَبِي الْمُخَارِقِ وَلَيْسَ بِثِقَةٍ، جَرَّحَهُ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُمَا.

فَإِنْ قَالُوا: إنَّ حَدِيثَ ابْنِ أَبِي عَدِيٍّ اضْطَرَبَ فِيهِ، فَمَرَّةً حَدَّثَ بِهِ مَنْ حِفْظِهِ فَقَالَ: عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَمَرَّةً حَدَّثَ بِهِ مِنْ كِتَابِهِ فَقَالَ: عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ، وَلَمْ يَذْكُرْ هَذَا الْكَلَامَ أَحَدٌ غَيْرُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَدِيٍّ.

قُلْنَا: هَذَا كُلُّهُ قُوَّةٌ لِلْخَبَرِ، وَلَيْسَ هَذَا اضْطِرَابًا؛ لِأَنَّ عُرْوَةَ رَوَاهُ عَنْ فَاطِمَةَ وَعَائِشَةَ مَعًا وَأَدْرَكَهُمَا مَعًا، فَعَائِشَةُ خَالَتُهُ أُخْتُ أُمِّهِ، وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ ابْنَةُ عَمِّهِ، وَهُوَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ بْنِ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ الثِّقَةُ الْحَافِظُ الْمَأْمُونُ، وَلَا يَعْتَرِضُ بِهَذَا إلَّا الْمُعْتَزِلَةُ الَّذِينَ لَا يَقُولُونَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، تَعَلُّلًا عَلَى إبْطَالِ السُّنَنِ فَسَقَطَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ، وَلَيْسَتْ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضًا، وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: الدَّمُ وَالصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا، وَكُلُّ ذَلِكَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ. وَقَالَ مَالِكٌ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ: الصُّفْرَةُ وَالْكُدْرَةُ حَيْضٌ، سَوَاءٌ كَانَ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ أَوْ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْحَيْضِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: الصُّفْرَةُ وَالدَّمُ فَكُلُّ ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>