للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْخَبَرَانِ الْأَوَّلَانِ: فَلَيْسَ فِيهِمَا إلَّا تَعْظِيمُ الْيَمِينِ عِنْدَ مِنْبَرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِمَا: أَنَّهُ أَمَرَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنْ لَا يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ إلَّا عِنْدَهُ، وَنَحْنُ لَمْ نُخَالِفْهُمْ فِي هَذَا.

وَلَوْ كَانَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ يُوجِبَانِ أَنْ لَا يَحْلِفَ الْمَطْلُوبُ إلَّا عِنْدَ مِنْبَرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَكَانَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، قَدْ خَالَفَهَا فِي مَوْضِعَيْنِ -: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُمَا لَا يُحَلِّفَانِ عِنْدَهُ إلَّا فِي مِقْدَارٍ مَا مِنْ الْمَالِ لَا فِي أَقَلَّ مِنْهُ، فَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ وَجَدَا هَذَا؟ وَلَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ تَخْصِيصُ الْحَلِفِ عِنْدَهُ فِي عَدَدٍ دُونَ عَدَدٍ، بَلْ فِيهِ نَصُّ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي ذَلِكَ -: كَمَا حَدَّثَنَا حُمَامٌ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ نا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ نا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نِسْطَاسٍ: أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَحْلِفُ أَحَدٌ عِنْدَ مِنْبَرِي هَذَا عَلَى يَمِينٍ آثِمَةٍ وَلَوْ عَلَى سِوَاكٍ أَخْضَرَ إلَّا تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ» .

فَظَهَرَ خِلَافُهُمْ لِهَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ.

وَالْمَوْضِعُ الْآخَرُ: أَنَّهُمَا يُحَلِّفَانِ مَنْ بَعُدَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْجَوَامِعِ، فَقَدْ خَالَفَا هَذَا الْخَبَرَ أَيْضًا، وَلَئِنْ جَازَ أَنْ لَا يُحَلَّفَ مَنْ بَعُدَ عَنْهُ عَلَيْهِ إنَّهُ لَجَائِزٌ فِيمَا قَرُبَ أَيْضًا وَلَا فَرْقَ، وَلَيْسَ لِلْبُعْدِ وَالْقُرْبِ حَدٌّ فِي الشَّرِيعَةِ، إلَّا أَنْ يَحُدَّ حَادٌّ بِرَأْيِهِ فَيَزِيدُ فِي الْبَلَاءِ وَالشَّرْعِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ نَجِدُ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْمَشْيُ لِضَعْفِهِ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَمَنْ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشْيُ خَمْسِينَ مِيلًا، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً.

وَأَيْضًا: فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - بِأَصَحِّ طَرِيقٍ مِنْ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ النَّارَ، قَالُوا: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ قَالَهَا ثَلَاثًا» .

<<  <  ج: ص:  >  >>