وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ نا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَذَكَرَ فِيهِمْ وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ» . قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَإِنْ كَانَ تَعْظِيمُ الْحَلِفِ عِنْدَ مِنْبَرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مُوجِبًا لَأَنْ لَا يُحَلَّفَ الْمَطْلُوبُونَ إلَّا عِنْدَهُ؛ فَإِنَّ تَعْظِيمَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - الْحَلِفَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ مُوجِبٌ أَيْضًا: أَنْ لَا يُحَلَّفَ الْمَطْلُوبُونَ إلَّا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهَذَا خِلَافُ قَوْلِهِمْ.
ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ قِيَاسُهُمْ سَائِرَ الْجَوَامِعِ عَلَى مَسْجِدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَلَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ لَا فَضْلَ لِجَامِعٍ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ عَلَى سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ مَسْجِدٌ آخَرُ جَامِعًا وَتُرِكَ التَّجْمِيعُ فِي الْجَامِعِ لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ حَرَجٌ أَصْلًا وَلَا كَرَاهَةٌ، فَمِنْ أَيْنَ خَرَجَتْ هَذِهِ الْقِيَاسَاتُ الْفَاسِدَةُ.
فَإِنْ قَالُوا: فَعَلْنَا ذَلِكَ لِيَزْدَجِرَ الْمُبْطِلُ؟ قُلْنَا: فَافْعَلُوا ذَلِكَ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَإِنَّ الْوَعِيدَ جَاءَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ سَوَاءً، حَتَّى فِي قَضِيبٍ مِنْ أَرَاكٍ، إلَّا إنْ كَانَ الْقَلِيلُ عِنْدَكُمْ خَفِيفًا - فَهَذَا مَذْهَبُ النَّظَّامِ، وَأَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَّافِ، وَبِشْرِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، وَهُمْ الْقَوْمُ لَا يُتَكَثَّرُ بِهِمْ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمُحِقَّ قَدْ يَخْشَى السُّمْعَةَ وَالشُّهْرَةَ فِي حَمْلِهِ إلَى الْجَامِعِ فَيَتْرُكُ حَقَّهُ، فَقَدْ حَصَلْتُمْ بِنَظَرِكُمْ عَلَى إبْطَالِ الْحُقُوقِ، وَأُفٍّ لِهَذَا نَظَرًا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: فَصَحَّ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ الْيَمِينُ فِي مَكَان دُونَ مَكَان، وَفِي حَالٍ دُونَ حَالٍ: لَبَيَّنَهَا - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَإِذْ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ فَلَا يُخَصُّ بِالْيَمِينِ مَكَانٌ دُونَ مَكَان، وَلَا حَالٌ دُونَ حَالٍ.
وَأَمَّا مِقْدَارُ مَا يَرَى فِيهِ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: التَّحْلِيفَ فِي الْجَوَامِعِ، فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَنْكَرَ التَّحْلِيفَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ إلَّا فِي دَمٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ الْمَالِ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِوُجُوهٍ -: أَوَّلُهَا: أَنَّهَا رِوَايَةٌ سَاقِطَةٌ لَا يُدْرَى لَهَا أَصْلٌ وَلَا مُنْبَعَثٌ وَلَا مَخْرَجٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ فَلَا حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute