وَرُوِيَ عَنْ الزُّهْرِيِّ نَحْوُ هَذَا، وَأَنَّهُ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ، وَأَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ - وَرُوِيَ أَيْضًا: عَنْ عِكْرِمَةَ.
وَرُوِّينَا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ - وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَيْضًا مِثْلُ ذَلِكَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا دَعْوَى النَّسْخِ فَبَاطِلٌ، لَا يَحِلُّ أَنْ يُقَالَ فِي آيَةٍ إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ لَا تَحِلُّ طَاعَتُهَا وَالْعَمَلُ بِهَا إلَّا بِنَصٍّ صَحِيحٍ، أَوْ ضَرُورَةٍ مَانِعَةٍ، وَلَيْسَ هَاهُنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ جَازَ مِثْلُ هَذَا لَمَا عَجَزَ أَحَدٌ عَنْ أَنْ يَدَّعِيَ فِيمَا شَاءَ مِنْ الْقُرْآنِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَهَذَا لَا يَحِلُّ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ فَقَوْلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ، وَالْبُطْلَانِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ خِطَابٌ لِقَبِيلَةٍ دُونَ قَبِيلَةٍ إنَّمَا أَوَّلُهَا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: ١٠٦] وَلَا يَشُكُّ مُنْصِفٌ فِي أَنَّ غَيْرَ الَّذِينَ آمَنُوا هُمْ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا، وَلَكِنَّهَا مِنْ الْحَسَنِ زَلَّةُ عَالِمٍ لَمْ يَتَدَبَّرْهَا.
وَقَالَ الْمُخَالِفُونَ: نَحْنُ نُهِينَا عَنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ، وَالْكَافِرُ أَفْسَقُ الْفُسَّاقِ؟ فَقُلْنَا: الَّذِي نَهَانَا عَنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ هُوَ الَّذِي أَمَرَنَا بِقَبُولِ شَهَادَةِ الْكَافِرِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ فَنَقِفُ عِنْدَ أَمْرَيْهِ جَمِيعًا، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِنْ الْآخَرِ.
وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا الَّتِي لَا نَظِيرَ لَهَا: أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا هُمْ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ.
فَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ: فَأَجَازُوا شَهَادَةَ الْكُفَّارِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِغَيْرِ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ، بَلْ خَالَفُوا الْقُرْآنَ فِي نَهْيِهِ عَنْ قَبُولِ نَبَأِ الْفَاسِقِ ثُمَّ خَالَفُوهُ فِي قَبُولِ الْكُفَّارِ فِي السَّفَرِ؟ فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْفَضَائِحِ، وَالْمُضَادَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ: فَأَجَازُوا شَهَادَةَ طَبِيبَيْنِ كَافِرَيْنِ حَيْثُ لَا يُوجَدُ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ، بَلْ خَالَفُوا الْقُرْآنَ فِي كِلَا الْوَجْهَيْنِ، كَمَا ذَكَرْنَا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْوَصِيَّةُ يَكُونُ فِيهَا إقْرَارٌ بِدَيْنٍ فَلَمَّا نُسِخَ ذَلِكَ مِنْ الْآيَةِ دَلَّ عَلَى نَسْخِ سَائِرِ ذَلِكَ؟ فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ مَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى - قَطُّ - الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ وَصِيَّةً؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute