الثُّلُثِ، وَالْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَمَا دَخَلَ - قَطُّ - الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَا نُسِخَ مِنْ الْآيَةِ شَيْءٌ - ثُمَّ لَهُمْ بَعْدَ هَذَا أَهْذَارٌ يُشْبِهُ تَخْلِيطَ الْمُبَرْسَمِينَ لَا مَعْنَى لَهَا، وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ وَالصَّحَابَةِ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ.
وَذَكَرُوا خَبَرًا: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ الْيَمَامِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ مِلَّةٍ عَلَى مِلَّةٍ إلَّا مِلَّةُ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهَا تَجُوزُ عَلَى غَيْرِهِمْ» .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: عُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ سَاقِطٌ، وَهَذَا خَبَرُ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ يُجِيزُ شَهَادَةَ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ وَمَالِكٌ، فَإِنَّهُ يُجِيزُ شَهَادَةَ الْكُفَّارِ الْأَطِبَّاءِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ - وَلَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ هَذَا التَّخْصِيصُ لِلْأَطِبَّاءِ دُونَ سَائِرِ مَنْ يُضْطَرُّ إلَيْهِ مِنْ الشَّهَادَاتِ مِنْ النِّكَاحِ، وَالطَّلَاقِ، وَالدِّمَاءِ وَالْأَمْوَالِ، وَالْعِتْقِ؟ وَمَا نَعْلَمُ هَذَا التَّفْرِيقَ عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ.
وَأَمَّا شَهَادَةُ الْكُفَّارِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، فَطَائِفَةٌ: مَنَعَتْ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةً - وَهُوَ قَوْلُنَا.
وَطَائِفَةٌ أَجَازَتْهَا عَلَى الْكُفَّارِ، وَلَمْ يُرَاعُوا اخْتِلَافَ مِلَلِهِمْ.
وَطَائِفَةٌ أَجَازَتْ شَهَادَةَ كُلِّ مِلَّةٍ عَلَى مِثْلِهَا وَلَمْ تُجِزْهَا عَلَى غَيْرِ مِثْلِهَا.
فَأَمَّا قَوْلُنَا فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ.
وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي: فَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ نَصْرَانِيٍّ عَلَى مَجُوسِيٍّ، أَوْ مَجُوسِيٍّ عَلَى نَصْرَانِيٍّ.
وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُ قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ، وَالْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ - هُمْ كُلُّهُمْ أَهْلُ الشِّرْكِ.
وَصَحَّ أَيْضًا هَذَا عَنْ الشَّعْبِيِّ، وَشُرَيْحٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ عَنْ عَوْنِ بْنِ مَعْمَرٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ