وَكُلُّهُمْ يُجِيزُ الْمَوْلَى لِمَوْلَاهُ - وَهَذَا خِلَافُ الْخَبَرِ -.
وَكُلُّهُمْ يُجِيزُ الْمَجْلُودَ فِي الْحَدِّ إذَا تَابَ - وَهُوَ خِلَافُ هَذَا الْخَبَرِ - فَمَنْ أَضَلُّ سَبِيلًا، أَوْ أَفْسَدُ دَلِيلًا مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لَهُ. وَذَكَرُوا: مَا رُوِّينَاهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى: الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إلَّا مَجْلُودًا فِي حَدٍّ، أَوْ مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ، أَوْ ظَنِينًا فِي وَلَاءٍ، أَوْ فِي قَرَابَةٍ، وَالْقَوْلُ فِي هَذَا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ قَطُّ عَنْ عُمَرَ، ثُمَّ قَدْ خَالَفُوهُ كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءً وَالْأَثْبَتُ عَنْ عُمَرَ: قَبُولُ الْأَبِ لِابْنِهِ.
وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا: احْتِجَاجُهُمْ فِي هَذَا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ» .
وَمِنْ «أَمْرِهِ هِنْدًا بِأَخْذِ قُوتِهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا» .
وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا.
وَأَمَّا نَحْنُ فَنُصَحِّحُهُمَا، وَنَقُولُ: لَيْسَ فِيهِمَا مَنْعٌ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الِابْنِ لِأَبَوَيْهِ، وَلَا مِنْ قَبُولِ الْأَبَوَيْنِ لَهُ - وَإِنْ كَانَ هُوَ وَمَالُهُ لَهُمَا - فَكَانَ مَاذَا؟ وَنَحْنُ كُلُّنَا لِلَّهِ تَعَالَى وَأَمْوَالُنَا وَقَدْ أَمَرَنَا بِأَنْ نَشْهَدَ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: ١٣٥] وَكُلُّ ذِي حَقٍّ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِأَخْذِ حَقِّهِ مِمَّنْ هُوَ لَهُ عِنْدَهُ مَتَى قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ أَجْنَبِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ أَجْنَبِيٍّ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَعَانَ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَقَدَرَ عَلَى تَغْيِيرِ مُنْكَرٍ فَلَمْ يَفْعَلْ بَلْ أَقَرَّ الْمُنْكَرَ وَالْبَاطِلَ وَالْحَرَامَ وَلَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ أَغْرَبِ مَا وَقَعَ: احْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ فِي هَذَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} [لقمان: ١٤] .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذِهِ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ مِنْ الشُّكْرِ لَهُمَا بَعْدَ شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى: أَنْ يَشْهَدَ لَهُمَا بِالْحَقِّ، وَلَيْسَ مِنْ الشُّكْرِ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَ لَهُمَا بِالْبَاطِلِ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣٦] فَقَدْ سَوَّى اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا فِي وُجُوبِ الْإِحْسَانِ إلَيْهِمْ، فَيَلْزَمُ مَنْ اتَّهَمَهُ لِذَلِكَ فِي الْوَالِدَيْنِ، وَفِي بَعْضِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ، وَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute