مَلَكَتْ يَمِينُهُ: أَنْ يَتَّهِمَهُ فِي سَائِرِهِمْ، فَلَا يَقْبَلُ شَهَادَةَ أَحَدِهِمْ لِقَرِيبٍ جُمْلَةً، وَلَا لِجَارٍ، وَلَا لِابْنِ سَبِيلٍ، وَلَا لِيَتِيمٍ، وَلَا لِمِسْكِينٍ، وَإِلَّا فَقَدْ تَلَوَّثُوا فِي التَّخْلِيطِ بِالْبَاطِلِ مَا شَاءُوا، فَلَمْ يَبْقَ فِي أَيْدِيهمْ إلَّا التُّهْمَةُ، وَالتُّهْمَةُ لَا تَحِلُّ.
وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ مَنْ حَمَلَتْهُ قَرَابَةُ أَبَوَيْهِ وَبَنِيهِ وَامْرَأَتِهِ عَلَى أَنْ يَشْهَدَ لَهُمْ بِالْبَاطِلِ فَمَضْمُونٌ مَنْعُهُ قَطْعًا أَنْ يَشْهَدَ لِمَنْ يَرْشُوهُ مِنْ الْأَبَاعِدِ لَا فَرْقَ.
وَلَيْسَ لِلتُّهْمَةِ فِي الْإِسْلَامِ مَدْخَلٌ - وَنَحْنُ نَسْأَلُهُمْ عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَأُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: لَوْ ادَّعَيَا عَلَى يَهُودِيٍّ بِدِرْهَمٍ بِحَقٍّ، أَتَقْضُونَ لَهُمَا بِدَعْوَاهُمَا؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، خَالَفُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَإِجْمَاعَ الْأُمَّةِ الْمُتَيَقَّنَ وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ.
وَإِنْ قَالُوا: لَا، قُلْنَا: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَاَللَّهِ مَا عَلَى أَدِيمِ الْأَرْضِ مَنْ يَقُولُ: إنَّهُ مُسْلِمٌ يَتَّهِمُ أَبَا ذَرٍّ، وَأُمَّ سَلَمَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - أَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ الْبَاطِلَ فِي الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا، فَكَيْفَ فِي دِرْهَمٍ عَلَى يَهُودِيٍّ؟ ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ أَتُبَرِّئُونَ الْيَهُودِيَّ الْكَذَّابَ الْمَشْهُورَ بِالْفِسْقِ بِيَمِينِهِ مِنْ دَعْوَاهُمَا؟ فَمَنْ قَوْلُهُمْ: نَعَمْ، قُلْنَا لَهُمْ: وَهَلْ مَقَرُّ التُّهْمَةِ، وَالظِّنَّةِ، إلَّا فِي الْكُفَّارِ الْمُتَيَقَّنِ كَذِبُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -؟ .
وَالْعَجَبُ كُلُّهُ: مِنْ إعْطَاءِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: الْمُدَّعِيَ الْمَالَ الْعَظِيمَ بِدَعْوَاهُ وَيَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ أَشْهَرُ فِي الْكَذِبِ وَالْمُجُونِ مِنْ حَاتِمٍ فِي الْجُودِ، إذَا أَبَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْيَمِينِ، وَإِعْطَاءِ أَبِي حَنِيفَةَ إيَّاهُ ذَلِكَ بِدَعْوَاهُ الْمُجَرَّدَةِ بِلَا بَيِّنَةٍ وَلَا يَمِينٍ، وَلَا يَتَّهِمُونَهُ بِرَأْيِهِمْ: لَا بِقُرْآنٍ وَلَا بِسُنَّةٍ، ثُمَّ يَتَّهِمُونَ النَّاسِكَ الْفَاضِلَ الْبَرَّ التَّقِيَّ فِي شَهَادَتِهِ لِابْنِهِ، أَوْ لِامْرَأَتِهِ أَوْ لِأَبِيهِ بِدِرْهَمٍ - نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ الَّتِي لَا شَيْءَ أَفْسَدُ مِنْهَا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِخِلَافِ الصَّاحِبِ لَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ، وَقَدْ خَالَفُوهُ هَاهُنَا، وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ.
ثُمَّ قَدْ حَكَى الزُّهْرِيُّ: أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ الصَّدْرُ الْأَوَّلُ فِي قَبُولِ الْأَبِ لِابْنِهِ وَالزَّوْجَيْنِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ، وَالْقَرَابَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ حَتَّى دَخَلَتْ فِي النَّاسِ الدَّاخِلَةُ - وَهَذَا إخْبَارٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute