للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا شَاهِدٌ حَاكِمٌ مَعًا، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ بِتَصْوِيبِ هَذَا الْوَجْهِ خَاصَّةً.

ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا، فَوَجَدْنَاهُ قَوْلًا لَا يُعَضِّدُهُ قُرْآنٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ.

فَإِنْ ذَكَرُوا «ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ» .

قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ مَا صَحَّ قَطُّ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا فِي أَنْ يَحْكُمَ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِالْحَقِّ، فَلَمْ يَبْقَ إلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: لَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ فِي شَيْءٍ - وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ -: فَوَجَدْنَا مَنْ مَنَعَ مِنْ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ يَقُولُ: هَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَلَا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ.

فَقُلْنَا: هُمْ مُخَالِفُونَ لَكُمْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: إنَّهُ لَا يُثِيرُهُ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ شَاهِدٌ آخَرُ.

وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ شَهَادَتَهُ شَهَادَةُ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَهَذَا يُوَافِقُ مَنْ رَأَى أَنْ يَحْكُمَ فِي الزِّنَى بِثَلَاثَةٍ هُوَ رَابِعُهُمْ، وَبِوَاحِدٍ مَعَ نَفْسِهِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ.

وَأَيْضًا - فَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

وَأَيْضًا - فَقَدْ خَالَفُوا أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَأَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ فِي الْقِصَاصِ مِنْ اللَّطْمَةِ، وَمِنْ ضَرْبَةِ السَّوْطِ، وَمِمَّا دُونَ الْمُوضِحَةِ - وَهُوَ عَنْهُمْ أَصَحُّ مِمَّا رَوَيْتُمْ عَنْهُمْ هَاهُنَا -.

وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ إلَّا ذَلِكَ» .

قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا قَدْ خَالَفَهُ الْمَالِكِيُّونَ الْمُحْتَجُّونَ بِهِ، فَجَعَلُوا لَهُ الْحُكْمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَالْيَمِينِ مَعَ نُكُولِ خَصْمِهِ، وَلَيْسَ هَذَا مَذْكُورًا فِي الْخَبَرِ.

وَجَعَلَ لَهُ الْحَنَفِيُّونَ الْحُكْمَ بِالنُّكُولِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ.

وَأَمَرُوهُ بِالْحُكْمِ بِعِلْمِهِ فِي الْأَمْوَالِ الَّتِي فِيهَا جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ.

فَقَدْ خَالَفُوهُ جِهَارًا وَأَقْحَمُوا فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>