للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْخَبَرَانِ صَحِيحَانِ مَشْهُورَانِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا بِأَسَانِيدِهِمَا فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا - وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِنَصِّ كَلَامِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَبِضَرُورَةِ الْعَقْلِ، يَدْرِي كُلُّ ذِي عَقْلٍ أَنَّ كُلَّ مَا عُقِدَتْ صِحَّتُهُ بِصِحَّةِ مَا لَا يَصِحُّ، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، فَكُلُّ نِكَاحٍ عُقِدَ عَلَى أَنْ لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِصِحَّةِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فَلَا صِحَّةَ لَهُ فَإِذْ لَا صِحَّةَ لَهُ فَلَيْسَتْ زَوْجَةً، وَإِذْ لَيْسَتْ زَوْجَةً -: فَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا وَلَا يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ لِأَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ: «الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ» فَلَيْسَ إلَّا فِرَاشٌ أَوْ عِهْرٌ، فَإِذْ لَيْسَتْ فِرَاشًا فَهُوَ عِهْرٌ، وَالْعِهْرُ لَا يُلْحَقُ فِيهِ وَلَدٌ، وَالْحَدُّ فِيهِ وَاجِبٌ.

فَإِنْ كَانَ جَاهِلًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ وَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِهِ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَتَى بِالْحَقِّ، وَلَمْ تَزَلْ النَّاسُ يُسْلِمُونَ وَفِي نِكَاحِهِمْ الصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ، كَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَنِكَاحِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، وَامْرَأَةِ الْأَبِ، فَفَسَخَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - كُلَّ ذَلِكَ وَأُلْحِقَ فِيهِ الْأَوْلَادُ، فَالْوَلَدُ لَاحِقٌ بِالْجَاهِلِ لِمَا ذَكَرْنَا.

وَأَمَّا اسْتِثْنَاؤُنَا الَّتِي نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَلِلْخَبَرِ الثَّابِتِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ» إلَى قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَالْمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا» وَصَحَّ أَيْضًا «فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا» .

فَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَالْمَهْرُ لَهَا» تَعْرِيفٌ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ.

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «فَلَهَا مَهْرُهَا» إضَافَةُ الْمَهْرِ إلَيْهَا، فَهَذَانِ اللَّفْظَانِ يُوجِبَانِ لَهَا الْمَهْرَ الْمَعْهُودَ الْمُسَمَّى وَمَهْرًا يَكُونُ لَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ مَهْرٌ مُسَمًّى وَهُوَ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِهَذَا لِكُلِّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، لِأَنَّهُ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ.

وَقَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: «إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ» فَصَحَّ يَقِينًا: أَنَّ مَالَهُ حَرَامٌ عَلَيْهَا إلَّا بِنَصِّ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: ٦٤] .

<<  <  ج: ص:  >  >>