وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ فِي الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ مَهْرًا لَبَيَّنَهُ فِي كِتَابِهِ، أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الَّتِي نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا، وَلَمَا اقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ وَحْدِهَا دُونَ غَيْرِهَا تَلَبُّسًا عَلَى عِبَادِهِ، وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا.
فَإِنْ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} [البقرة: ١٩٤] وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} [البقرة: ١٩٤] وَالْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ اعْتِدَاءٌ وَحُرْمَةٌ مُنْتَهَكَةٌ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُعْتَدَىَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَأَنْ يَقْتَصَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي مَالِهِ؟
قُلْنَا: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَقٌّ، وَإِنْتَاجُكُمْ مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ أَنْ يُعْتَدَى عَلَى الْمُعْتَدِي، وَيُقَصَّ مِنْهُ حُرْمَتُهُ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْهِ فِي حُرْمَتِهِ، وَلَيْسَ الْمَالُ مِثْلًا لِلْفَرْجِ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِهِ نَصٌّ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ وَلَوْ كَانَ هَذَا لَوَجَبَ عَلَى مَنْ ضَرَبَ آخَرَ أَوْ شَتَمَهُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ مَالِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَأَنْ يُعْتَدَىَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَلَوَجَبَ أَيْضًا عَلَى مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ أَوْ لَاطَ بِغُلَامٍ مَهْرُ مِثْلِهَا أَوْ غَرَامَةٌ مَا، وَهَذِهِ أَحْكَامُ الشَّيْطَانِ، وَطُغَاةِ الْعُمَّالِ، وَفُسَّاقِ الشُّرَطِ، لَيْسَ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا أَحْكَامَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّمَا حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمُ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَنْ لَا تُتَعَدَّى حُدُودُهُ، فَإِذَا حَكَمَ بِغَرَامَةِ مَالٍ حَكَمْنَا بِهَا، وَإِذَا لَمْ يَحْكُمْ بِهَا لَمْ نَحْكُمْ بِهَا.
وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الَّذِي حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّصْرِيُّ نا عِيسَى بْنُ حَبِيبٍ نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي نا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ " إنْ كَانَ النِّكَاحُ حَرَامًا فَالصَّدَاقُ حَرَامٌ ".
وَذَكَرْنَا فِعْلَ ابْنِ عُمَرَ فِي إبْطَالِهِ صَدَاقَ الَّتِي تَزَوَّجَهَا عَبْدُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ.
كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا تَزَوَّجَ عَبْدُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ جَلَدَهُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ: أَبَحْت فَرْجَك؟ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا صَدَاقًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute