عِنْدَهُمْ، وَلَا شَبَهَ بَيْنَ الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ، لِأَنَّ الْعِتْقَ يُبْطِلُ الرِّقَّ كَمَا قَالُوا، وَأَمَّا الطَّلَاقُ فَقَدْ كَذَبُوا فِي قَوْلِهِمْ إنَّهُ يُبْطِلُ النِّكَاحَ، بَلْ لِلْمُطَلِّقِ الَّذِي وَطِئَهَا دُونَ الثَّلَاثِ أَنْ يَرْتَجِعَهَا - فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُهُ، بِخِلَافِ الْعِتْقِ الَّذِي لَا يَجُوزُ لَهُ ارْتِجَاعُهُ فِي الرِّقِّ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْعِتْقَ إخْرَاجٌ عَنْ مِلْكِهِ، وَلَيْسَ الطَّلَاقُ كَذَلِكَ؟ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ الْبَارِدُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا خَاصٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ -.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: هَذَا كَذِبٌ، وَمُخَالَفَةٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١] فَكُلُّ فِعْلٍ فَعَلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَنَا الْفَضْلُ فِي الِائْتِسَاءِ بِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِأَنَّهُ خُصُوصٌ فَنَقِفُ عِنْدَهُ، وَلَوْ قَالُوا هَذَا لِأَنْفُسِهِمْ فِي إجَازَتِهِمْ الْمَوْهُوبَةَ الَّتِي لَا تَحِلُّ لِغَيْرِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لَوَفَّقُوا.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ رَوَيْتُمْ فِي ذَلِكَ مَا كَتَبَ بِهِ إلَيْكُمْ دَاوُد بْنُ بَابْشَاذَ قَالَ: نا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْحَافِظُ نا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّةَ نا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ نا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد، نا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ - وَهُوَ ابْنُ كَاسِبٍ - قَالَ: نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ قَالَ: كَتَبَ إلَيَّ نَافِعٌ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - أَخَذَ جُوَيْرِيَةَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ»
قَالُوا: وَابْنُ عُمَرَ لَا يَرَى ذَلِكَ، فَمُحَالٌ أَنْ يَتْرُكَ مَا رَوَى إلَّا لِفَضْلِ عِلْمٍ عِنْدَهُ، بِخِلَافِ ذَلِكَ؟
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرُوهُ: مِنْ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَرَ ذَلِكَ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ الْحُجَّةَ الَّتِي أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهَا وَبِاتِّبَاعِهَا، إنَّمَا هِيَ مَا رَوَوْهُ لَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - لَا مَا رَوَاهُ مَنْ رَآهُ مِنْهُمْ بِرَأْيٍ اجْتَهَدَ فِيهِ وَأَصَابَ: إنْ وَافَقَ النَّصَّ فَلَهُ أَجْرَانِ، أَوْ أَخْطَأَ إنْ خَالَفَ النَّصَّ غَيْرَ قَاصِدٍ إلَى خِلَافِهِ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ.
وَقَدْ أَفْرَدْنَا فِي كِتَابِنَا الْمَوْسُومِ بِ " الْإِعْرَابُ فِي كَشْفِ الِالْتِبَاسِ " بَابًا ضَخْمًا لِكُلِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute