فَصَحَّ أَنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا نَهَانَا عَنْ مَعْنًى يُمْكِنُ جَمْعُهُمَا فِيهِ، وَلَيْسَ إلَّا الزَّوَاجُ لِأَنَّ جَمْعَهُمَا فِي مِلْكِ الْيَمِينِ جَائِزٌ حَلَالٌ بِلَا خِلَافٍ؟
فَقُلْنَا: صَدَقْتُمْ أَنَّهُ تَعَالَى يَنْهَانَا عَنْ الْمُحَالِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي الْوَطْءِ، وَأَخْطَأْتُمْ فِي تَخْصِيصِكُمْ بِنَهْيِهِ الزَّوَاجَ فَقَطْ، لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلْآيَةِ بِلَا بُرْهَانٍ، بَلْ نَهَانَا عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا بِالزَّوَاجِ، وَبِاسْتِحْلَالِ وَطْءِ أَيَّتِهِمَا شَاءَ، وَبِالتَّلَذُّذِ مِنْهُمَا مَعًا، فَهَذَا مُمْكِنٌ، فَهَلُمُّوا دَلِيلًا عَلَى تَخْصِيصِكُمْ الزَّوَاجَ دُونَ مَا ذَكَرْنَا؟ فَلَمْ نَجِدْهُ عِنْدَهُمْ أَصْلًا، فَلَزِمْنَا أَنْ نَأْتِيَ بِبُرْهَانٍ عَلَى صِحَّةِ اسْتِثْنَائِنَا وَإِلَّا فَهِيَ دَعْوَى وَدَعْوَى -: فَوَجَدْنَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤] لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْأُمَّةِ كُلِّهَا - قَطْعًا مُتَيَقَّنًا فِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ.
بَلْ كُلُّهُمْ مُجْمِعٌ قَطْعًا عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ، لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْغُلَامَ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَهُوَ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ.
وَأَنَّ الْأُمَّ مِنْ الرَّضَاعَةِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَالْأُخْتَ مِنْ الرَّضَاعَةِ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ، وَكِلْتَاهُمَا مُتَّفَقٌ عَلَى تَحْرِيمِهِمَا، أَوْ الْأَمَةَ يَمْلِكُهَا الرَّجُلُ قَدْ تَزَوَّجَهَا أَبُوهُ وَوَطِئَهَا، وَوَلَدَ لَهُ مِنْهَا: حَرَامٌ عَلَى الِابْنِ.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} [النساء: ٢٣] . {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} [النساء: ٢٣] .
{وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} [البقرة: ٢٢١] .
لَمْ يَأْتِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ عَلَى أَنَّهُ مَخْصُوصٌ حَاشَا زَوَاجَ الْكِتَابِيَّاتِ فَقَطْ، فَلَا يَحِلُّ تَخْصِيصُ نَصٍّ لَا بُرْهَانَ عَلَى تَخْصِيصِهِ، وَإِذْ لَا بُدَّ مِنْ تَخْصِيصِ مَا هَذِهِ صِفَتُهَا، أَوْ تَخْصِيصُ نَصٍّ آخَرَ لَا خِلَافَ فِي أَنَّهُ مَخْصُوصٌ، فَتَخْصِيصُ الْمَخْصُوصِ هُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ غَيْرُهُ.
وَبِهَذِهِ الْحُجَّةِ احْتَجَّ ابْنُ مَسْعُودٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نا سَلَمَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ يَقُولُ: لَمْ يَزَالُوا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute