حَتَّى أَغْضَبُوهُ - يَعْنِي فِي الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ - فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إنَّ حَمْلَك مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُكَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا مَنْ أَبَاحَ لَهُ أَنْ يَطَأَ أَيَّ الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ لَهُ شَاءَ، وَحِينَئِذٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِ الَّتِي لَمْ يَطَأْ، فَقَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو قَائِلُ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُمَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَ إحْدَاهُمَا حَرَامٌ جَمِيعًا - فَهَذَا قَوْلُنَا، أَوْ إنَّهُمَا جَمِيعًا حِينَئِذٍ حَلَالٌ، فَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعِكْرِمَةَ، وَمَنْ وَافَقَهُمَا وَكِلَا الْقَوْلَيْنِ خِلَافُ قَوْلِ هَذَا الْقَائِلِ، أَوْ يَقُولُ: إنَّ إحْدَاهُمَا بِغَيْرِ عَيْنِهَا حَلَالٌ لَهُ وَالْأُخْرَى حَرَامٌ، فَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا لِوَجْهَيْنِ -: أَحَدُهُمَا - قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: ٢٥٦] فَمُحَالٌ أَنْ يُحَرِّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا مَا لَمْ يُبَيِّنْهُ لَنَا، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: ١١٩] فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا قَدْ فَصَّلَهُ لَنَا - وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ إحْدَاهُمَا حَرَامٌ لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي - إنَّ هَذَا التَّقْسِيمَ أَيْضًا بَاطِلٌ عَلَى مُقْتَضَى قَوْلِهِمْ، لِأَنَّهُمْ يُبِيحُونَ لَهُ وَطْءَ أَيَّتِهِمَا شَاءَ، وَهَذَا يَقْتَضِي تَحْلِيلَهُمَا جَمِيعًا، لَا تَحْرِيمَ إحْدَاهُمَا؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمُحَالِ تَخْيِيرُ أَحَدٍ فِي حَرَامٍ وَحَلَالٍ، إلَّا أَنْ يَأْتِيَ نَصُّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ بِذَلِكَ، فَيُوقَفُ عِنْدَهُ، وَأَمَّا بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ فَلَا.
فَصَحَّ قَوْلُنَا يَقِينًا وَبَطَلَ مَا سِوَاهُ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَالْخَبَرُ الْمَشْهُورُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنْ «لَا يَجْمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَالْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا» ، وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ النَّاسِ، إلَّا عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ فَإِنَّهُ أَبَاحَهُ -: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ نا مُجَاهِدُ بْنُ مُوسَى نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا أَوْ عَلَى خَالَتِهَا» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute